كنيسة بلا جدران

كيف يمكن أن تنتشر المسيحية؟

لقد جاء المسيح، وعلم عن ملكوت الله؛ ولم يعد أتباعه بحوريات الجنة وملذاتها ولا بملذات غنائم الأرض. بل العكس تمامًا، وعدهم بأنهم سيتألمون من أجله كثيرًا؛ ويجب أن ينكروا أنفسهم، أي أن يفنوا أنفسهم لأجل الرب والآخرين!! فقال لهم: 
" 24 .. إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي" متى 16. 
وعلمهم أيضًا أن طريقه صعب ومليء بالألم والضيقات: 
"14 مَا أَضْيَقَ الْبَابَ وَأَكْرَبَ الطَّرِيقَ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْحَيَاةِ، وَقَلِيلُونَ هُمُ الَّذِينَ يَجِدُونَهُ!" متى 7.
ومليء بالاضطهاد حتى الموت، ورفض العالم والمجتمع لهم!!
"2 سَيُخْرِجُونَكُمْ مِنَ الْمَجَامِعِ، بَلْ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً ِللهِ" يوحنا 16. 
وفوق كل هذه الصور الصعبة التي تبدو بعيدة عن أي استحسان بشرية؛ أحاط المسيح تعاليمه أيضًا بأمور صعبة جدًا، ومخالفة تمامًا لطبيعة البشر، مثل: 
"40 وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا ... 44 .. أحبوا أعدائكم باركوا لاعنيكم احسنوا إلى مبغضيكم ..." (متى 5: 44)" (متى 5). "26 .. إنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا 27 مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْدًا" (متى 20)؛ "26 ... بَلِ الْكَبِيرُ فِيكُمْ لِيَكُنْ كَالأَصْغَرِ، وَالْمُتَقَدِّمُ كَالْخَادِمِ." (لوقا 22) .... إلخ.  فلم يوجد لدعوته أي جاذبية من ناحية دنيوية؛ ولو فكرنا بها من ناحية منطقية، ولا أي إنسان، جاهل أم حكيم، سيقبل هذه الدعوة أبدًا!! 
سؤالي هو، كيف انتشرت دعوة صعبة وغير جذابة كهذه؟؟؟
أولا: هذا ما علمه المسيح فعلاً؛ فلو كان المسيحيين قد حرفوا كتبهم كما يدعي البعض، لكانوا قد غيَّروا جميع هذه التعاليم، مثل "أحبوا أعدائكم ..." وآيات أخرى كثيرة، دون أي تردد، ليشرعوا الفتوحات الصليبية مثلا !! فدافعهم لتحريف تعاليم المسيح في هذا الاتجاه يعادل صفر، بحسب أبسط مبادئ المنطق؛ حيث إن هذه التعاليم صعبة ومضادة لأي شهوة بشرية دنيوية في هذا العالم الشرير!!
ثانيًا: أيضًا نحن أمام حقيقة تاريخية لا يمكن إنكارها، وهي أن المسيحية انتشرت في أول 300 عام إلى جميع العالم وبقوة؛ دون سيف، دون حرب ولا أي سبب منطقي يعلل انتشارها.  لذلك نعلم أن السبب في انتشارها هو استعلان قوة الله المعجزية على أيدي تلاميذ المسيح.  الذين أصغرهم صنع معجزات لا تُقهر؛ حيث حتى ظِل التلاميذ، كان يشفي مرضى (أعمال 5: 15-16)؛ وأقام التلاميذ موتى (أعمل 9: 40  و20: 9-12)؛ وكان الناس أيضًا يضعون مناديلهم على التلاميذ، ومن ثم يضعونها على المرضى والمعذبين بأرواح شريرة فيشفون جميعًا (أعمال 19: 12).
وليس هذا فقط، بل انتشرت في ظل أعظم اضطهاد عُرف على مدار التاريخ. ففي سنة 69 م، أضاء الإمبراطور نيرون كل روما بأشلاء المسيحيين، ورماهم للأسود لإثارة تسلية أهل روما آنذاك في مدرج الكولوسيوم.  ومع هذا، في أقل من 50 عام، يقول الكتاب أن أتباع المسيح فتنوا المسكونة (أعمال 17: 6).  ووصلت المسيحية قبل نهاية القرن الأول، إلى جميع الشرق الأوسط، وكل أوروبا وشمال أفريقيا والهند والصين، وتغيرت دول بجملتها إلى المسيحية مثل أرمينيا والحبشة والامبراطورية البيزنطية فيما بعد، وغيرها. 
لقد انتشرت المسيحية، التي أبعد ما تكون عن الجاذبية ومنطق هذا العالم الأرضي؛ دون حرب، دون سيف، دون أي سبب منطقي مقنع يعلل نشرها!! 
طبعًا الجواب على هذه الظاهرة، يبرهن دون أي أدنى شك، أنها انتشرت لأن الله كان ورائها؛ لكي يخلص البشرية من هلاكها، ويرجعها إلى أحضانه الأبدية، من خلال المنقذ يسوع المسيح.  انتشرت بقوة الله المعجزية، وليس بالحروب الدينية؛ أو بالفلسفة أو الكلام المقنع أو البلاغة اللغوية، كما يؤكد الوحي: 
" 4 وَكَلاَمِي وَكِرَازَتِي لَمْ يَكُونَا بِكَلاَمِ الْحِكْمَةِ الإِنْسَانِيَّةِ الْمُقْنِعِ، بَلْ بِبُرْهَانِ الرُّوحِ وَالْقُوَّةِ." 1 كورنثوس 2.  
لذلك أتحدى أكبر مؤرخ، فيلسوف، أو فقيه في العالم كله، أن يعطيني سبب واحد منطقي يعلل انتشار دعوة مثل دعوة المسيح؟ إن انتشار المسيحية هو أكبر معجزة عرفها التاريخ البشري منذ إنشائه إلى الآن، ولا يوجد له تعليل منطقي، إلا وجود قوة الله المعجزية ورائها.

 

 

باسم ادرلني

2054 مشاهدة