كيف يمكن أن تتداخل إنسانية المسيح وألوهيته معًا؟؟
في الأناجيل نجد نصوصًا كثيرة ربما تحيِّر القارئ؛ نصوص تؤكد على أن المسيح إنسان وأن الله إلهه كإنسان، مثل قوله:
"17... إني أصعد إلى أبي وأبوكم إلهي وإلهكم." (يوحنا 20).
"الرب إلهنا إله واحد" (مرقس 12: 29).
ونصوص فيها المسيح صلى إلى الله الآب...إلخ!
ويوجد نصوص أخرى كثيرة تؤكد على أن المسيح هو الله، مثل:
* ممارسة سلطانه لغفران الخطايا (مرقس 2: 10).
* إعلانه أنه أزلي الكون (يوحنا 8: 58).
* إعلانه أنه الحياة ذاتها بقوله: "أنا هو القيامة والحياة..." يوحنا 11: 25.
* إعطائه السلطان لرسله أن يصنعوا معجزات، وحتى ليقيموا موتى (متى 10: 8).
* إعلانه أنه هو الذي سيقيم البشر من الأموات في اليوم الآخر (يوحنا 5: 25 و6: 54).
* وإعلانه أنه هو معطي الحياة، يوحنا 10: 28. ففي هذا الأصحاح مثلاً، يتبين لنا بوضوح أن الفريسيين وعلماء الدين، تعقيبًا على تلك الأقوال وعلى خلفية فهمهم لنصوص العهد القديم، مثل تثنية 30: 20، فهموا جيدًا قصده؛ وحاولوا أن يرجموه، وفسروا ذلك بقولهم:
"33... لسنا نرجمك لأجل عمل حسن، بل لأجل تجديف، فإنك وأنت إنسان تجعل من نفسك إلهًا!!" (يوحنا 10).
وآيات أخرى كثيرة تبرز بوضوح إعلان المسيح لسلطانه الإلهي؛ اطلع على 127 نص تبرهن لاهوت المسيح من الأناجيل.
المسيح، هو كلمة الله، وهو الله المتجسد:
فنرى من الوحي، أن المسيح كان إنسانًا، وكان الله إلهه كإنسان. وأيضًا نرى أن المسيح هو الله المتجسد:
"1 فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ. 2 هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ. 3 كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ (أي كل شيء به خلق)، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ (أي بدون أقنوم الكلمة، لا يمكن أن يكون هناك خلق!! إذا هو الله)... 14 وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا (إذا الكلمة، الذي هو الله، عدد 1، تجسد على أرضنا)، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا" يوحنا 1.
هل ممكن أن يكون المسيح إنسان والله معًا؟
هنا نحتاج أن نشدد على رأي النقاد؛ فلم لا يفهم التجسد، يظهر تناقض بين الاثنين. الإنسان محدود، والله غير محدود. كيف يمكن أن يكون المسيح محدود، وغير محدود، وفي نفس الوقت!؟
إذا كان محدودًا، إذا هو ليس غير محدود!
وإذا كان غير محدود، إذا هو ليس محدود!
الواحدة تبطل الأخرى. كما أنه لا يمكن أن يكون إنسانًا فقيرًا وغنيًا وفي نفس الوقت. إذا كان فقيرًا، إذا هو ليس غني؛ والعكس صحيح!!
الجواب لهذه المعضلة يمكن في آية الإخلاء:
"6 الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. 7 لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ" فيلبي 2.
عدد 6، يؤكد أن أقنوم الكلمة معادلا لله تمامًا.
عدد 7، يؤكد أنه أخلى نفسه، آخذًا صورة عبد، أي إنسان. تعني أن أخلى سلطان في حياة إنسانيته. وبقي يزاول سلطانه الإلهي الكوني.
لكي نفهم تداخل إنسانية المسيح بألوهيته، يجب أن ندرك أن المسيح لم يمارس سلطانه الإلهي في حياته الخاصة على الأرض إطلاقًا (بل استمر بممارسة دوره الإلهي الكوني فقط، أي خارج دائرة حياة المسيح كإنسان).
فإذا رجعنا لنفس المثال؛ كيف يمكن أن يكون شخص غني وفقير في نفس الوقت؟
ممكن إذا امتنع على غناه في حياته الخاصة، وعاش كشخص بسيط؛ واستمر بمساعدة الآخرين في غناه (الآخرين وليس ذاته). هكذا ممكن أن يكون فقيرًا وغنيًا، وفي نفس الوقت. هذا هو المفهوم للإخلاء الذي يقدمه وحي العهد الجديد. لذلك المسيح وهو على الأرض، كان يعيش تحت كل الضعف البشري كباقي البشر (لكن بلا خطية). وكان يصنع المعجزات بسلطان الله الآب كجميع الأنبياء. لكن في نفس الوقت، نعلم أن الله تجلى به، مما أعلنه عن ذاته وليس من معجزاته (أي أنه أعلن عن تجلي الله به، لكنه لم يستخدم سلطانه الإلهي في حياته الخاصة أبدًا)؛ نعلم أنه الله، من ممارسة سلطانه الإلهي، خارج دائرة حياته الخاصة. مثل منحه غفران خطايا، منحه للتلاميذ سلطانًا بأن يصنعوا معجزات، قبوله لسجود الناس...إلخ.
عندما كلمة الله الأزلي، أخلى نفسه، اختار أن يخضع لجميع قوانين البشر من: نوم؛ تعب؛ ألم؛ بكاء؛ نمو...إلخ. فكان ينبغي أن يصلي مثلا، لكي ينجح في دعوته ويكون الإنسان الكامل الذي يظهر مثال وطبيعة الله للبشر، فكان يجب أن يخضع لقوانين الله لجميع البشر. في نفس الوقت، كان هو الإعلان الكامل للذات الإلهية، وللصورة البشرية الكاملة التي أراد الله أن نتبع سنتها؛ لهذه السبب الله لم ولن يطلب منا أبدًا أن نتبع سنة نبي، بشر. لأن هذا يعتبر شرك بالله؛ كما يؤكد الوحي المقدس:
"1 اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، 2 كَلَّمَنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ - الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضاً عَمِلَ الْعَالَمِينَ. 3 الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيراً لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي." عبرانيين 1.
باسم أدرنلي