كنيسة بلا جدران

نظرة حول يوحنا الأصحاح الأول

يوجد حوالي 280 آية تبرهن وتوضح تجلي الله في شخص المسيح؛  نبدأ من بداية إنجيل يوحنا: "1 في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله" يوحنا 1.   إن عبارة "وكان الكلمة الله" في اليونانية، هي "كاي ثيوس هِن هو لوغوس" وتعني " والله كان الكلمة". ففي اليونانية، مثل اللغة العربية، الكلمات مُعْرَبَة في ذاتها، ولا يهم تغيير ترتيبها في الجمل، فتظل تبرز نفس الترتيب اللغوي. (مثلا "ثيوس" للفاعل؛ "ثيون" للمفعول به؛ "ثيو" للمخاطب؛ "ثيوو" للمضاف إليه؛ والصفة تحمل نفس الحالة للموصوف...إلخ) لكن الذي يختلف في تغيير الترتيب، هو على ماذا يشدد الكاتب؛ مثلا:
الولد ذهب إلى العمل - هنا يوجد تشديد على الولد، الذي تبحث عنه، هو موجود في العمل.
إلى العمل ذهب الولد - هنا يوجد تشديد على أهمية العمل وإنهائه، وليس على الولد.
وهذا معروف في علم البلاغة؛ ففي النص أعلاه، يوجد تشديد على كلمة "الله" وليس "الكلمة"؛ فمن الأقرب للمعنى أن تترجم لـ "والله كان فعلا الكلمة"؛ أيضًا ثيوس مرفوعة، ولوغوس مرفوعة، فهي صفة لثيوس (لله).  فسياق الآية نفسها، يشدد على أن الله هو الكلمة؛ لأن الآية تقول ببساطة؛ أن الكلمة عند بداية كل شيء، كان موجودًا وكان عند الله. وهذا يطرح سؤال في ذهن القارئ: "هل قبل بداية كل شيء، كان هناك كائنين؛ الله والكلمة، لأنه يقول أن الكلمة كان موجودٌ قبل البدء!!  فيجيب على هذا التساؤل حالاً في نفس الآية، "وكان الله الكلمة" أي أن الله فعلا هو بداية كل شيء.  فبدون إدراج هذا السياق، لا يوجد معنى للعبارة.

لكن دعنا نقول أن القارئ غير مقتنع بهذا؛ دعني أتابع لك كيف يكمل الوحي النص: " 2 هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ. (أي أن الكلمة كان موجودًا عند الله قبل بدء الخليقة). 3 كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. (كل ما تراه، بالمسيح تكون، خلق؛ ولم يكن قد كوِّنَ من دونه أي شيء – راجع كولوسي 1: 14-17).  4 فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ، (في المسيح أوجدت الحياة)...  9 كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ. 10 كَانَ فِي الْعَالَمِ، وَكُوِّنَ الْعَالَمُ بِهِ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْعَالَمُ. (كان ذلك النور، أي أقنوم الكلمة، المسيح، آتيًا إلى لعالم؛ لكن في نفس الوقت كان موجودًا في العالم؛ وتكون العالم بواسطته)... 14 وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا." (أي أن أقنوم الكلمة تجسد، وصار جسدًا، اي بشرًا). 

هل ممكن أن تتكلم تلك الكلمات عن مجرد نبي؟  ممكن أن ينكر البعض أن المكتوب موحى به من الله، أو ممكن أن يدعي البعض أن الكتاب مُحرَّف كما يقولون؛ لكن لا يستطيع أحد أن ينكر ما تقوله تلك الآيات!!  وهذا ما يؤكد عليه الكتاب المقدس حوالي ألف سنة قبل المسيح قائلا: " بِكَلِمَةِ الرَّبِّ صُنِعَتِ السَّمَاوَاتُ (أقنوم الكلمة، الابن)، وَبِنَسَمَةِ فِيهِ كُلُّ جُنُودِهَا (أقنوم الروح القدس)." مزمور 33: 6.  فأقنوم الكلمة هو أقنوم من أقانيم الله منذ الأزل . لذلك يتكلم دائمًا في إنجيل يوحنا عن المسيح الذي أتى من السماء (مثل يوحنا 3: 13  و6: 33  و38 و51  و17: 5)؛ حيث قال يوحنا المعمدان عن المسيح أنه أتى من فوق، لذلك هو فوق الجميع، وليس أرضي:

"31  اَلَّذِي يَأْتِي مِنْ فَوْقُ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ، وَالَّذِي مِنَ الأَرْضِ هُوَ أَرْضِيٌّ، وَمِنَ الأَرْضِ يَتَكَلَّمُ. اَلَّذِي يَأْتِي مِنَ السَّمَاءِ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ،" يوحنا 3. 

بعض النقاد يقولون أن كلمة "الله" في يوحنا 1: 1، هي غير مصحوبة مع ألـ التعريف؛ أي هي "والكلمة صار إله"، لأنها لا تتكلم عن الله.  لكن في اللغة اليونانية، بخلاف اللغة العربية، لا تحتاج كلمة الله للتعريف دائمًا؛ بل ممكن أن تكون غير معرفة؛ لأنها إسم الجلالة؛ وهذا يكون بحسب النص.  ونرى هذا في نفس النص، فهل سيوافق نفس المعترض إذًا أن يقرأ الآية الثانية مثلا " 2 هَذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ إله (بدلاً من الله)" فهي أيضًا بدون ألـ التعريف؟ والآية "6 كان إنسان مرسل من إله (بدلاً من الله)"؛  فيبدو أن المعترض هنا، لا يعرف أبسط االقواعد، للغة اليونانية!!

باسم ادرنلي

6824 مشاهدة