كنيسة بلا جدران

هل يجب أن نصلي من أجل السلام السياسي؟

بالرغم من أن السؤال الأول يبدو كأنه بديهي، لكن عندما نتواجه مع السؤال الثاني، نقع في دوامة من الأجوبة والمبادئ المتضاربة في عملية تعريف، ما هو السلام السياسي؟ وما هي المبادئ الكتابية التي يعلمها العهد الجديد من جهة السلام السياسي؟

فبعض المسيحيين ينظرون للسلام بمنظار كتابي مثالي، فيقولون أنه سوف لا يكون هناك سلام على الأرض بدون رئيس السلام، أي يسوع المسيح. وبالتالي يأخذون موقفًا متشائمًا ومعترضًا على أية محاولة سياسية للسلام؛ فلا ينظرون لها كأمر له علاقة بمشيئة الله الصالحة من جهة الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني.

والبعض يؤمن أن السلام السياسي يحدث عندما يدرك الشعب الفلسطيني أن الله قد أعطى الأرض لليهود، ويجب أن يعيشوا بها تحت ظل دولة إسرائيل ليكون لهم سلام؛ لكن كثيرًا ما يهمش ذلك الإيمان ثوابت كتابية يعلم عليها الكتاب مثل العدالة والمساواه تجاه الشعب الآخر (لاويين ١٩: ٣٣-٣٤).

والبعض الآخر، يربط السلام بمبادئ علَّم عليها الكتاب المقدس، مثل الشرعية القانونية لكل شعب، العدالة الاجتماعية والمساواة، وعدم انتهاك كرامة الإنسان. لكن في وسط تلك النداءات، كثيرًا ما تجد قضية الملكوت ضائعة، ولا تجد ارتباطًا واضحًا بين تلك المبادئ ومركزية الملكوت؛ فتصبح دعوة الكثير من المؤمنين للسلام المتمركز حول العدالة الاجتماعية، لا تتميز عن نداءات أناس من ديانات ومذاهب أخرى، التي تنادي بنفس المبادئ.

في نفس الوقت نرى أنه يوجد في عدد من الدول الأوروبية عدالة اجتماعية، لكن كنائس نائمة؛ والعمل الملكوتي من سيء إلى أسوأ. ونجد دول خالية من السلام السياسي، تعج بالنهضات الروحية، وامتداد ملكوت الله. فيحيِّرنا هذا كمؤمن أكثر:

هل نصلي من أجل السلام السياسي؟ أم نصلي لكي تأتي نهضة روحية، وحتى بوجود اضطهاد وعدم أمان؟ أم نتقوقع حول ذاتنا، ونقول: "أنا أصلي فقط للملكوت، ليست لي أية علاقة بالوضع السياسي!!”

فكل واحدة من تلك الاحتمالات لها صعوباتها وسقطاتها.

تُرى هل علم العهد الجديد عن الصلاة من أجل السلام السياسي؟

الجواب هو نعم؛ وعلم أيضًا عن المبادئ التي يجب أن نصلي على أساسها من جهة السلام السياسي.  والفقرة الهامة للإجابة على تلك التساؤلات، هي من تيموثاوس الأولى، والأصحاح الثاني:

" 1 فَأَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ، أَنْ تُقَامَ طَلِبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَابْتِهَالاَتٌ وَتَشَكُّرَاتٌ لأَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ، 2 لأَجْلِ الْمُلُوكِ وَجَمِيعِ الَّذِينَ هُمْ فِي مَنْصِبٍ، لِكَيْ نَقْضِيَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً فِي كُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ".  هنا الكتاب يحث الكنيسة للصلاة من أجل السلام السياسي، وهو يكمن في عبارة: "لِكَيْ نَقْضِيَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً فِي كُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ".

وهنا سنسأل سؤال هام وهو: لأجل مَنْ نصلي؟

الجواب هو في النص: “...لأَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ، 2 لأَجْلِ الْمُلُوكِ وَجَمِيعِ الَّذِينَ هُمْ فِي مَنْصِبٍ،.."، والآية مفهومة؛ لكن مهم أن ننتبه فيها لكلمة "جميع" المتكررة مرتين؛ وهي تفترض أن صلوات الكنيسة يجب أن لا يوجد فيها تمييز بين شعب وشعب؛ بين دين ودين؛ بين حزب وحزب.  صلاة فيها نحزن عندما يموت مسلمين ويهود؛ مثلما نحزن عندما يموت مسيحيين. صلاة مدركة قلب الرب الذي لا يوجد عنده تمييز بين إنسان وإنسان، شعب وشعب.

ما هو مفتاح السلام؟ الهدف موجود في النص، يطرح ثلاثة أمور:

“لِكَيْ نَقْضِيَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً"؛ هنا بولس يتكلم عن السلام السياسي والاجتماعي، في وقت ساد فيه الاضطهاد والمقاومة للمؤمنين بالمسيح. بولس يحث الكنيسة للصلاة من أجل سلام البلد التي يعيشون فيها، لكي يتمتعوا بالسلام هم أيضًا؛ أي أنه بسلام البلد، يكون لنا سلام (إرميا 29: 7). وهي تُخرج الكنيسة من حالة اللا مبالاة بالوضع السياسي، إلى حالة المسؤولية التي وضعها الله على عاتق الكنيسة لتأتي بالسلام.

"فِي كُلِّ تَقْوَى": وفيها صلاة لأجل حرية الإيمان، لكي لا يعيق الوضع السياسي حياة إيمان الناس. مثلا عندما نصلي من أجل غزة أو الضفة؛ من المهم أن نصلي لأجل الحرية للمسلم بأن يؤمن ويتبع المسيح؛ كذلك في الوطن العربي.

"وَوَقَارٍ": يتكلم عن حقول الإنسان وإنسانيته واحترامه؛ صلاة تواجه الظلم من كل الأطراف؛ ليست تفصل بدقة انتهاكات إسرائيل، وتتغاضى عن انتهاكات الفلسطينيين والدول العربية. صلاة تعترض على اضطهاد الشيعة، والدروز، والبهائيين وغيرهم، في الدول العربية؛ كما تعترض على الانتهاكات ضد المسيحيين.

ما هو هدف الصلاة؟ هدف الصلاة يكمله النص ويقول:

" 3 لأَنَّ هذَا حَسَنٌ وَمَقْبُولٌ لَدَى مُخَلِّصِنَا اللهِ، 4 الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ.” فإذا أصبح الملكوت هو جزئية فقط من الصلاة، تصبح الكنيسة منظمة فاشلة لحقوق الإنسان، وتصبح الكنيسة نائمة وغير فعالة. بل يربط الوحي الآيات السابقة بكلمة "لأن"، أي أن قصد الله من السلام السياسي، هو لكي يقبل الناس للخلاص. صلاة تتمحور حول إدخال وساطة المسيح للشعب، على اساس فدائه له، ليختبر حياة أفضل: 5 لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، 6 الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لأَجْلِ الْجَمِيعِ، الشَّهَادَةُ فِي أَوْقَاتِهَا الْخَاصَّةِ" صلاة فيها إدراك لدعوة الله للكنيسة، وهي الكرازة والملكوت: " 7 الَّتِي جُعِلْتُ أَنَا لَهَا كَارِزًا وَرَسُولاً. اَلْحَقَّ أَقُولُ فِي الْمَسِيحِ وَلاَ أَكْذِبُ، مُعَلِّمًا لِلأُمَمِ فِي الإِيمَانِ وَالْحَقِّ.”

إذا لقد علَّم العهد الجديد الكنيسة أن تصلي من أجل السلام السياسي؛ وهو سلام يسود فيه الهدوء والطمأنينة، سلام يوفر حرية الإيمان والعبادة، سلام تعم فيه المساواة والعدالة اجتماعية. لكن يجب أن ندرك أن هدف الله من خلال السلام السياسي، هو أن يكون متمحورًا حول خلاص الله للبشر وامتداد ملكوته على الأرض؛ وليس حول المبادئ الإنسانية نفسها أو السلام نفسه كهدف.

باسم ادرنلي

4065 مشاهدة