كنيسة بلا جدران

من الهم والأحباط، إلى السلام

فيلبي 4: 6 " لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ. 7 وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْلٍ يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ."

إن هذه الآية تعطينا تعليمًا واضحًا للخطوات التي تساعدنا للعبور من الهم، الاضطراب والإحباط، إلى أن نحصل على سلام الله الذي يفوق كل إدراك بشري.
أود أن أعيد صياغة هاتين الآيتين بلغتي الخاصة التفسيرية، لكي نحصل على فهم أوضح لما يقصده هنا الرب من خلال الآيات:

لا تكنوا مهمومين من أي شيء، وأمَّا إذا أصابكم الهم، أذهبوا أولاً (العنوان الأول) إلى مُخدع الصلاة واصرخوا إلى الله ومجدوه على كم صنع بكم الرب ورحمكم، مجدوه على صلاحه وأمانته ورحمته ومحبته. واطلبوا منه كل طلباتكم وأدعيتكم لأجلكم ولأجل الآخرين أيضًا، ولا تنسوا الشكر، لأن الشكر فيه إعلان إيمانكم بأن الله له السلطان التام على كل ما يحدث في حياتكم، وإعلان كم أن الله صالح ويريد الأفضل لكم. وعندما تفعلون هذه الخطوات، ستمتلئون بسلام الله الذي يعطي راحة فوق كل إدراك بشري، وسلام الله سيحفظ مشاعركم وأحاسيسكم وفكركم من الانزلاق ثانيةً في القلق والهَم.

سأتكلم هنا القليل عن معنى الدعاء

الدعاء هو أن تسكب وتطلب من الله أن يتدخل في حياتك وحياة الآخرين أيضًا، أي في دائرة خارج حياتك أيضًا. إن من أهم المفاتيح التي تُخرج المؤمن من الهم والإحباط، هي أن يخرج المؤمن من دائرة رثاء الذات، أو الشفقة على الذات والتفكير فقط في ألمه ومشكلته ونفسه. إن الله يفرح جدًا بك عندما، في أشد الضيقات، تخرج من دائرة نفسك وتطلب من أجل غيرك.
إن أهم المفاتيح للصلاة التي ركز عليها المسيح في لوقا 11 هي الخروج من الذات. بعدما طلب منه التلاميذ أن يعلمهم كيف يصلوا، ابتدأ المسيح يعلمهم من ما نسميه بالصلاة الربانية. بعدها أعطاهم مثالين: الأول مثال الذي جاءه صديق في منتصف الليل ولم يكن لديه خبزًا ليطعمه، فدق باب جارة بلجاجة لكي يطلب خبزًا لضيفه وليس لنفسه (لوقا 11: 5-10). أراد أن يبرز المسيح شيئًا هامًا في حياة الإنسان الشرقي، وهو أنه عندما يُكرم الإنسان ضيفه أو قريبه تُكرَم نفسُهُ، هذا مبدأ الكتاب أيضًا، عندما تُكرم الرب والآخرين يكرمك الرب.
إن من أهم العناصر لزوال الهم هو أن تخرج من دائرة نفسك، وحتى من الحِكَم العامية التي يتداولها الناس تقول: " اللي بيشوف مصيبِة غيرُه، بِتهُون عليه مْصِيبتُه " (لوباني 113). يوجد شيء من الصحة في هذا المثل، لأن الذي ينظر إلى وجع غيره، يستطيع أن يخرج من دائرة نفسه ومن ثم يسهل عليه ألمُه وهذا يساعده على الخروج من الألم ويصبح في حالة شاكرة لله.

يقول الكتاب أيضًا:

"10 إِنِ ارْتَخَيْتَ فِي يَوْمِ الضِّيقِ ضَاقَتْ قُوَّتُكَ. 11 أَنْقِذِ الْمُنْقَادِينَ إِلَى الْمَوْتِ وَالْمَمْدُودِينَ لِلْقَتْلِ. لاَ تَمْتَنِعْ." أمثال 24.
بكلمات أخرى عندما تمر في أقصى درجات الإحباط والهم والضعف، لا تمتنع عن الانشغال في خدمة وتلبية احتياجات الآخرين، أي لا تنسى الخروج من ذاتك. ألم نرى هذا في سيرة المسيح عندما جاءه خبر قطع رأس يوحنا المعمدان؟ فرَدَّة فِعل المسيح الأولى كانت أنه حالاً ذهب لكي يختلي بالآب للصلاة (متى 14: 13)، لكن الجموع لم تدعه، فبادر بخدمهم بلا تردد ووضع وجع وألم نفسه جانبًا (على عكس التلاميذ الذين كانوا منشغلين بتعبهم وذاتهم، مرقس 6: 30-31  و35-36). وعندما أنهى المسيح خدمته لهم صعد إلى الجبل منفردًا، وهو لا زال مصممًا على الاختلاء بالآب (عدد 23).
هذا هو العنوان الأول الذي يجب أن نلتجئ له عند كثرة همومنا في الصلاة. ونرفع أدعية من أجلنا ومن أجل ملكوت الله والآخرين، ونعلن سيادته على كل ما يحدث في حياتنا عن طريق الشكر. فقط في حضن الآب نستطيع أن نتحرر من القلق والإحباط، نجد تعزيتنا، ونمتلئ من سلام الله الذي يفوق كل إدراك ومنطق.

" عِنْدَ كثرةِ هُمُومِي في دَاخِلي تَعْزِيَاتك تُلَذِّذ نفسي " مزمور 94: 19.

باسم أدنلي

3696 مشاهدة