كنيسة بلا جدران

التنافس في الخدمة

لقد كان الرسل منقادين بالتنافس البشري فيما بينهم، فتارةً يفتكرون في مَنْ فيهم أعظم من الآخر، لوقا 9: 46، وتارةَ ينشغلون بمنصبهم المستقبلي في ملكوت المسيح، متى 20: 20-21، وتارةً يتحاجون من هو الأعظم، مرقس 9: 39، وفي الليلة الأخيرة، لكي يزيدو على ألم المسيح قبيل الصليب، تشاجروا فيما بينهم على من هو أعظم، لوقا 22: 24.

لقد علَّم المسيح الرسل كيف يكونون عظماء، وذلك عن طريق بذل أنفسهم لأجل بعضهم البعض، وأن يُكرموا بعضهم البعض ولا يُكرم الفرد نفسه ويفتكر أنه أفضل من الآخرين، أي بكلمات أخرى: أن يتمثلوا بالمسيح، لوقا 22: 25-26.

وعلى رأي الرسل كان بطرس الذي أعلن بوضوح أنه أعظم وأقوى من جميع التلاميذ. ظهر هذا حينما قال في الليلة الأخيرة للمسيح: "...وإن شك فيك الجميع فأنا لا أشك أبدًا"، متى 26: 33 (يعني بالعامية، هادول أولاد، أنا البطل هون). لذلك وُضع في تجربة إنكار المسيح والتي من خلالها وصل إلى حالة انكسار استطاع فيها أن يدرك أن مقياس من هو أعظم ليس منوط بالقدرات البشرية، أو المشاعر الصادقة. فأنا متأكد أن مشاعر بطرس كانت صادقة حينما قال هذا للمسيح. لكن بعد سقوطه في إنكار المسيح وبعد القيامة، أراد المسيح أن يُعَلِّمه الطريق ليكون أفضل وأعظم من باقي التلاميذ، لذلك سأله قائلاً:

أتُحبني أكثر من هؤلاء؟ (يوحنا 21: 15).

لقد حاول المسيح بأن يوجه عناية بطرس إلى أن السؤال الهام هنا في قضية من الأعظم، هو ليس من له انجازات أو أعمال أكثر، لكن مَنْ يُحِبْ المسيح أكثر. إن التنافس الحقيقي بين المؤمنين يجب أن يكون متمركزًا حول مَنْ يُحِب المسيح أكثر، وليس على من له خدمة تبدو أقوى أو أنجح، أو من له شهرة أكثر، أو أسلوب كلامي أفضل؛ أو ما شابه ذلك من القدرات البشرية ومقاييس عالمنا هذا.

ماذا يعني أن نُحب الله أو المسيح؟
إن العهد الجديد أعطانا تعليمًا واضحًا على من هم الذين يحبون الله وهذا التعليم مُرتبطٌ بأمرين:

الأول، هو نطيع المسيح لأنه قال:

"... الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني.." يوحنا 14: 21، لذلك قال لبطرس: "ارعَ خرافي" بعدما قال له: "أتحبني أكثر من هؤلاء"، يوحنا 21، 15، فطاعتنا لكلمته ولكل خطوة طاعة يطلبها منا باستمرار، هي التي تدل على مقدار محبتنا له.

والثاني هو أن نكون مثل المسيح كأهم قصد ورؤية في حياتنا:

وَنَحْنُ‬ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ." ‬رومية 8: 28
بحسب هذا الآية الكتاب يُعَرِّف بدقة من هم الذين يحبون الله، وهُم الذين مَدْعُوِّين بحسب قصده.
ولكي نعرف ما هو قصد الله، نحتاج أن ننظر للآية التي تليها:
‫" لأَنَّ‬ ‫الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ‬‫..."‬ رومية 8: 29
يوجد لكل مؤمن تعيين دائم من الله وهو أن يكون يسعى ليكون مشابِه لصورة وسيرة ابنه يسوع المسيح، وهذا هو قصده من وراء ماذا نفعل أو دعوتنا على هذه الأرض.

ولكي نميز الفرق ما بين الدعوة وقصد الدعوة سنأخذ المثال الآتي:

كان لأبٍ ابنًا وحيدًا وكان يعتني به ويربيه أفضل تربية. وكان الأب دائمًا يريد أن يكون ابنه في المستقبل طبيبًا (الدعوة). وقصده من وراء تلك الدعوة هو إن يكون إنسانًا شفوقًا، حنونًا، وديعًا، يعالج ويعتني بالناس الفقراء، يقضي وقته معهم، يحبهم ويحتضنهم. هذه الصورة التي كانت دائمًا في قلب الأب عندما دعا ابنه لكي يدرس طِبْ.
وعندما كبر الولد، أراد فعلاً أن يكون طبيبًا، وشارك معه الأب الصورة التي في قلبه بالنسبة لتلك الدعوة. ذهب الولد إلى كلية الطب وكان متفوقًا بشكل لم يسبق له مثيل. وبعد التخرج كان من أفضل الأطباء في البلاد وأصبح طبيبًا وشخصية معروفه جدًّا. لكن عندما أراد أن يفتح عيادة، أراد أن تكون في أرقى منطقة في البلد، ووضع أجرة عالية جدًا لكشفِيَّته، كان متكبرًا، ولم يقبل أن يعالج أي شخص مهما كانت حالته، دون أن يدفع الأجرة. فعندما رأى الأب ابنه ولأي صورة تحول، قال: "يا ريتني ما ولدتك ولا أرسلتك لتتعلم طب". إن الولد حقق الدعوة بأحسن وجه، لكنه فقد قصد الأب من وراد تلك الدعوة.

إن الكثير من الخدام يحققون دعوة الله لحياتهم لكنهم في الطريق يفقدون قصده من وراء الدعوة، وهؤلاء يصفهم الكتاب بأنهم لا يحبون الله. لأن الذين يحبون الله هم المدعوين بحسب قصده، أي الذين ميزان قصد الله دائمًا يقيس حياتهم باستمرار، وهذا الميزان هو أن نعكس صورة المسيح في الفكر، الكلام، التصرف، تقسيم الوقت، الدور الأسري، السياسي، الاجتماعي...إلخ.

أتريد أن تكون أفضل من أخوك في عيون الله، دعونا نتمتلئ بالتنافس على مَنْ منا يُحب المسيح أكثر، وليكُنْ هذا المقياس الذي نوْزَن فيه حياتنا الروحية باستمرار. ولتكن هذه هي رؤيتنا وشعارنا في كل شيء نعمله، كل فكرة نفتكرها وكل كلمة نقولها.

باسم أدرنلي

4614 مشاهدة