كنيسة بلا جدران

تجسد الله لخلاصنا، من سفر إشعياء - "ذراع الرب"

نرى موضوع تجسد الله في سفر إشعياء من خلال شعار "ذراع الرب"! حيث يطرح لنا هذا التعبير الكثير عن موضوع تجسد الله ويده العظيمة التي خلصتنا؛ لكن يُظهر أيضًا يدهُ الديانة والمُعاقبة للإنسان. وهذان الجانبان نراهما في النبوءة التي قرأها المسيح في مجمع الناصرة (لوقا 4: 17-19)، حيث تقول:
"1 رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ. 2 لأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ، وَبِيَوْمِ انْتِقَامٍ لإِلَهِنَا.." إشعياء 61.
لذلك نجد وحي إشعياء يتكلم عن ذراعين:
"5 قَرِيبٌ بِرِّي. قَدْ بَرَزَ خَلاَصِي، وَذِرَاعَايَ يَقْضِيَانِ لِلشُّعُوبِ. إِيَّايَ تَرْجُو الْجَزَائِرُ وَتَنْتَظِرُ ذِرَاعِي" إشعياء 51.
فنرى إشعياء يستخدم مصطلح "ذراعه، ذراع الرب"، ليتكلم عن ذراعه الديَّانة، وذراعه المُخَلِّصَة.

ذراع الدينونة:
"30 وَيُسَمِّعُ الرَّبُّ جَلاَلَ صَوْتِهِ، وَيُرِي نُزُولَ ذِرَاعِهِ بِهَيَجَانِ غَضَبٍ وَلَهِيبِ نَارٍ آكِلَةٍ، نَوْءٍ وَسَيْل وَحِجَارَةِ بَرَدٍ" إشعياء 30.
"14 اِجْتَمِعُوا كُلُّكُمْ وَاسْمَعُوا. مَنْ مِنْهُمْ أَخْبَرَ بِهذِهِ؟ قَدْ أَحَبَّهُ الرَّبُّ. يَصْنَعُ مَسَرَّتَهُ بِبَابِلَ، وَيَكُونُ ذِرَاعُهُ عَلَى الْكَلْدَانِيِّينَ" إشعياء 48.
حيث في نهاية العهد القديم، وأواخر الآيات في ملاخي 4، نرى نفس الشعارين النبويين اللذان يعد بهما الإله. شعار غضبه على جميع فجور الأرض، وذراعه المخلصة الحانية الشافية لمُتَّقيه:
"1 «فَهُوَذَا يَأْتِي الْيَوْمُ الْمُتَّقِدُ كَالتَّنُّورِ، وَكُلُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَكُلُّ فَاعِلِي الشَّرِّ يَكُونُونَ قَشًّا، وَيُحْرِقُهُمُ الْيَوْمُ الآتِي (ذراع الدينونة)، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، فَلاَ يُبْقِي لَهُمْ أَصْلاً وَلاَ فَرْعًا. 2 «وَلَكُمْ أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ اسْمِي تُشْرِقُ شَمْسُ الْبِرِّ وَالشِّفَاءُ فِي أَجْنِحَتِهَا (ذراع الخلاص والشفاء من الطبيعة الفاسدة)، فَتَخْرُجُونَ وَتَنْشَأُونَ كَعُجُولِ الصِّيرَةِ" ملاخي 4.

ذراعه المُخَلِّلصه، المنقذة؟
وعندما نفكر بذراع الله المُنقذة من خلال التجسد، نرى إشعياء يشبه الله بأنه مد يده داخل عالمنا، لينقذنا من خطايانا. فيعلن لجميع الأمم أنه على وشك أن يعمل عمل عظيم؛ ويستخدم تشبيه "شَمَّرَ عَنْ ذِرَاعِ قدسه"!!!
"10 قَدْ شَمَّرَ الرَّبُّ عَنْ ذِرَاعِ قُدْسِهِ أَمَامَ عُيُونِ كُلِّ الأُمَمِ، فَتَرَى كُلُّ أَطْرَافِ الأَرْضِ خَلاَصَ إِلهِنَا" إشعياء 52.
فيبدأ أصحاح 59 من إشعياء، بإعلان أن يد الله غير قاصرة على خلاص البشر؛ لكن هناك مشكلة قانونية، وهي خطايا البشر التي تحتاج لعلاج قانوني، يتجاوب مع قداسة الله:
"1 هَا إِنَّ يَدَ الرَّبِّ لَمْ تَقْصُرْ عَنْ أَنْ تُخَلِّصَ، وَلَمْ تَثْقَلْ أُذُنُهُ عَنْ أَنْ تَسْمَعَ. 2 بَلْ آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلهِكُمْ، وَخَطَايَاكُمْ سَتَرَتْ وَجْهَهُ عَنْكُمْ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ" إشعياء 59.
وإيضًا يؤكد وحي إشعياء من نفس الأصحاح 59، أنه لا يوجد أي إنسان قادر على خلاص البشر من خطاياهم؛ لا نبي، ولا أقدس إنسان، بل فقط الله ذاته. فيقول:
"16 فَرَأَى أَنَّهُ لَيْسَ إِنْسَانٌ، وَتَحَيَّرَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ شَفِيعٌ (من كلمة "شفيع"، نتأكد هنا أنه يتكلم عن إنقاذ البشر). فَخَلَّصَتْ ذِرَاعُهُ لِنَفْسِهِ، وَبِرُّهُ هُوَ عَضَدَهُ" إشعياء 59.
فلا يوجد أي إنسان مؤهل لينقذ الإنسان؛ لأن جميع البشر خطاة، فكيف سينقذ الخاطي، خاطي مثله؟
لذلك كما رأينا في هذه الآية، الله بالتجسد يصور نفسه وكأنه يمد ذراعه داخل عالمنا، ليخصلنا من خطايانا: 
"فَخَلَّصَتْ ذِرَاعُهُ لِنَفْسِهِ": أي لم يكن لديه خيار، سوى أن يمد يده داخل عالمنا، لكي يخصلنا لذاته؛ خلاصًا كاملاً يستجيب مع عدالته الكاملة. والذراع جزء من الجسد، فلا نقول إن ذراع الله خلصتنا، بل الله خصلنا. فخلاص المسيح هو خلاص الله، ولا فصل بينه وبين الله: "وكان الكلمة الله" (يوحنا 1: 1).
"وَبِرُّهُ هُوَ عَضَدَهُ": أي أن خلاصه اعتمد بالكلية على بر الله الخالص، دون تدخل أي بشر؛ حيث جميع البشر خطاة! فالمُخَلِّص يجب أن يكون إنسانًا، لكن غير مشترك في خطايا البشر – الطرف المخطئ.
ويعيد نفس الفكرة في:
"5 فَنَظَرْتُ وَلَمْ يَكُنْ مُعِينٌ، وَتَحَيَّرْتُ إِذْ لَمْ يَكُنْ عَاضِدٌ، فَخَلَّصَتْ لِي ذِرَاعِي، وَغَيْظِي عَضَدَنِي (أي فَعَّل غضبه مع محبته لخلاصنا؛ بدلا من عِقابنا)" إشعياء 63.
وهو أيضًا ذراع الرب المنقذة، تُظهِر عناية الله لجميع مؤمنيه:
"10 هُوَذَا السَّيِّدُ الرَّبُّ بِقُوَّةٍ يَأْتِي وَذِرَاعُهُ تَحْكُمُ لَهُ. هُوَذَا أُجْرَتُهُ مَعَهُ وَعُمْلَتُهُ قُدَّامَهُ 11 كَرَاعٍ يَرْعَى قَطِيعَهُ. بِذِرَاعِهِ يَجْمَعُ الْحُمْلاَنَ، وَفِي حِضْنِهِ يَحْمِلُهَا، وَيَقُودُ الْمُرْضِعَاتِ»" إشعياء 40.
فعندما الآية تقول أن يهوه الله بذاته "يأتي"، أليس هذا دليلاً صارخًا وواضحًا على نبوءة تجسده في عالمنا؟ خاصة في سياق إشعياء 40؛ بعد إعلان خدمة يوحنا المعمدان، الذي استشهد بالنص من أول نفس إشعياء 40، "صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: «أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي الْقَفْرِ سَبِيلاً لإِلَهِنَا" (عدد 3)!
وذراعه المُخَلِّصة المنقذة، اختبرها شعب الرب في القديم بشكل باهت:
"12 الَّذِي سَيَّرَ لِيَمِينِ مُوسَى ذِرَاعَ مَجْدِهِ، الَّذِي شَقَّ الْمِيَاهَ قُدَّامَهُمْ لِيَصْنَعَ لِنَفْسِهِ اسْمًا أَبَدِيًّا" إشعياء 63.
لذلك، طالما نادى الإنسان تلك الذراع لتخلصه، كل الأيام!
"9 اِسْتَيْقِظِي، اسْتَيْقِظِي! الْبَسِي قُوَّةً يَا ذِرَاعَ الرَّبِّ! اسْتَيْقِظِي كَمَا فِي أَيَّامِ الْقِدَمِ، كَمَا فِي الأَدْوَارِ الْقَدِيمَةِ. أَلَسْتِ أَنْتِ الْقَاطِعَةَ رَهَبَ، الطَّاعِنَةَ التِّنِّينَ؟" إشعياء 51.

ذراع الدينونة، استقرت على المسيح، ذراع الرب!
إن وحي إشعياء يريدنا أن نتذكر دائمًا، أن ذراع الدينونة لله، لكي تخلصنا، استُعلَنت على ذاتها – المسيح، الإله المتجسد، ذراع الرب. أي وضع الله خطايانا على ذاته، لينقذنا:
"1 مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا، وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟" إشعياء 53.
فعلا، مئات الملايين من الناس لا يصدقون أنه ممكن أن تُستعلن ذراع الرب الديانة، على ذاته!! فندعو أن يفتح الله قلوب شعوبنا، ليدركوا محبة الله لهم؛ وماذا فعل لخلاصهم!
والله يعد المؤمنين، بأنه لن يتسلط عليهم إبليس فيما بعد، وهم في أحضانه أبدًا؛ "فِي حِضْنِهِ يَحْمِلُهَا":
"8 حَلَفَ الرَّبُّ بِيَمِينِهِ وَبِذِرَاعِ عِزَّتِهِ قَائِلاً: «إِنِّي لاَ أَدْفَعُ بَعْدُ قَمْحَكِ مَأْكَلاً لأَعْدَائِكِ، وَلاَ يَشْرَبُ بَنُو الْغُرَبَاءِ خَمْرَكِ الَّتِي تَعِبْتِ فِيهَا" إشعياء 62.
وحتى لو تمكن العالم من إيذائنا؛ يسمح الله بهذه الآلام فقط، لهدف خلاصهم وفدائهم؛ وبهذا نفرح ونمجد الله.

القدس - 17/ 09/ 2025
باسم أدرنلي

122 مشاهدة