كنيسة بلا جدران

تعاليم الكتاب المقدس عن الميراث


إن وحي العهد القديم يقسم قضية الموروثات، على قسمين؛ أموال منقولة وعقارات. الأموال المنقولة تقسم على الورثة بحسب ما سيذكر في سياق هذا المقال. أما قسم العقارات والأراضي، فلها أحكام للبيع، وأحكام للميراث.

قوانين الميراث في العهد القديم

أولا، بيع وشراء العقارات، وفكها:
أما القسم الثاني المركب أكثر، هو العقارات؛ ولا يمكن أن يفقده الوارث؛ وأحكامه كما يلي:
(1) لا يسمح لنقل عقار من سبط إلى آخر:
في شريعة موسى لا يمكن نقل ملكية أرض موروثة من سبط إلى سبط (من أسباط إسرائيل الاثني عشر):
" 7فَلاَ يَتَحَوَّلُ نَصِيبٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ سِبْطٍ إِلَى سِبْطٍ، بَلْ يُلاَزِمُ بَنُو إِسْرَائِيلَ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَ سِبْطِ آبَائِهِ. 8 وَكُلُّ بِنْتٍ وَرَثَتْ نَصِيبًا مِنْ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَكُونُ امْرَأَةً لِوَاحِدٍ مِنْ عَشِيرَةِ سِبْطِ أَبِيهَا، لِكَيْ يَرِثَ بَنُو إِسْرَائِيلَ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَ آبَائِهِ" العدد 36.
والحكمة الإلهية من هذا، هو عدم خلط مناطق سكنى الأسباط مع الوقت.
(2) يحق للبائع أن يستر العقار، بنفس المبلغ وفي أي وقت:
إذا افتقر شخص وباع ملكه، فيجب أن يفك الملك أقرب شخص إليه، ويرجعه له؛ وإذا لم يستطع أحد أن يفك ويرجع له العقار، يبقى للشاري، لمدة 49 سنة، ويرجع له في السنة الـ 50، سنة اليوبيل: 
"25 إِذَا افْتَقَرَ أَخُوكَ فَبَاعَ مِنْ مُلْكِهِ يَأْتِي وَلِيُّهُ الأَقْرَبُ إِلَيْهِ وَيَفُكُّ مَبِيعَ أَخِيهِ. 26 وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ فَإِنْ نَالَتْ يَدُهُ وَوَجَدَ مِقْدَارَ فِكَاكِهِ 27 يَحْسِبُ سِنِي بَيْعِهِ وَيَرُدُّ الْفَاضِلَ لِلْإِنْسَانِ الَّذِي بَاعَ لَهُ فَيَرْجِعُ إِلَى مُلْكِهِ. " لاويين 25.
الهدف هو وضع نظام اقتصادي من أعظم ما يكون، يدعم الفقراء، ولا يعطي فرصة للأغنياء أن يعززوا سيطرتهم على الفقراء.
(3) إرجاع العقار لصاحبه في السنة الـ 50!
إن الأرض لا تباع ولا تشترى بل تُستعار، لمدة أقصاها 49 سنة:
"23 «وَالأَرْضُ لاَ تُبَاعُ بَتَّةً لأَنَّ لِيَ الأَرْضَ وَأَنْتُمْ غُرَبَاءُ وَنُزَلاَءُ عِنْدِي" لاويين 25.  
فإذا افتقر إنسان، وباع عقاره الموروث أو أرضه، ففي السنة الـ 50، سنة اليوبيل، يرجع العقار له أو لنسله: 
"10 وَتُقَدِّسُونَ السَّنَةَ الْخَمْسِينَ وَتُنَادُونَ بِالْعِتْقِ فِي الأَرْضِ لِجَمِيعِ سُكَّانِهَا. تَكُونُ لَكُمْ يُوبِيلاً وَتَرْجِعُونَ كُلٌّ إِلَى مُلْكِهِ وَتَعُودُونَ كُلٌّ إِلَى عَشِيرَتِهِ...13 فِي سَنَةِ الْيُوبِيلِ هَذِهِ تَرْجِعُونَ كُلٌّ إِلَى مُلْكِهِ... 28 وَإِنْ لَمْ تَنَلْ يَدُهُ كِفَايَةً لِيَرُدَّ لَهُ يَكُونُ مَبِيعُهُ فِي يَدِ شَارِيهِ إِلَى سَنَةِ الْيُوبِيلِ ثُمَّ يَخْرُجُ فِي الْيُوبِيلِ فَيَرْجِعُ إِلَى مُلْكِهِ." لاويين 25.
والسبب في إرجاع الأرض للصالح الأصلي بعد 49 سنة، هو ليذكر الله الإنسان، أنه هو صاحب الأرض، والإنسان نزيل مؤقت يسكن في حماه! وليدعم الله الفقراء، ويكسر تسلط الأغنياء؛ بشكل لا يقدرون فيه أن يتملكوا أكثر مما كان لهم في الأصل!!

ثانيًا، قوانين تقسيم الميراث:
تعلم شريعة موسى الكثير من الإحكام والتشريعات الواضحة، لترتيب قضايا وسط شعب الرب:
(1) الابن البكر يأخذ نصيبين من الميراث:
إن الابن البكر بحسب شريعة موسى، يستحق نصيب اثنين من الورثة.  أي أنه إذا كان لشخص أربعة أولاد، يقسم الميراث لخمس أقسام وليس لأربعة؛ والبكر يأخذ نصيبين، والثلاثة الباقين يأخذون كل واحد نصيب.  
ولا يحق للأب أن يتلاعب في حق بكورية الولد الأول مهما حدث:
"15 إِذَا كَانَ لِرَجُل امْرَأَتَانِ، إِحْدَاهُمَا مَحْبُوبَةٌ وَالأُخْرَى مَكْرُوهَةٌ، فَوَلَدَتَا لَهُ بَنِينَ، الْمَحْبُوبَةُ وَالْمَكْرُوهَةُ. فَإِنْ كَانَ الابْنُ الْبِكْرُ لِلْمَكْرُوهَةِ، 16 فَيَوْمَ يَقْسِمُ لِبَنِيهِ مَا كَانَ لَهُ، لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ ابْنَ الْمَحْبُوبَةِ بِكْرًا عَلَى ابْنِ الْمَكْرُوهَةِ الْبِكْرِ، 17 بَلْ يَعْرِفُ ابْنَ الْمَكْرُوهَةِ بِكْرًا لِيُعْطِيَهُ نَصِيبَ اثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ مَا يُوجَدُ عِنْدَهُ، لأَنَّهُ هُوَ أَوَّلُ قُدْرَتِهِ. لَهُ حَقُّ الْبَكُورِيَّةِ..." التثنية 21.
(2) أحكام ميراث البنات:
"6 فَقَال الرَّبُّ لِمُوسَى: 7 «بِحَقٍّ تَكَلمَتْ بَنَاتُ صَلُفْحَادَ فَتُعْطِيهِنَّ مُلكَ نَصِيبٍ بَيْنَ أَعْمَامِهِنَّ وَتَنْقُلُ نَصِيبَ أَبِيهِنَّ إِليْهِنَّ. 8 وَأَوْصِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ أَيَّ رَجُلٍ يَمُوتُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْلِفَ ابْناً، تَنْقُلُونَ مُلْكَهُ إِلَى ابْنَتِهِ. 9 وَإِنْ ‏لَمْ تَكُنْ لَهُ ابْنَةٌ تُعْطُونَ مُلْكَهُ لإِخْوَتِهِ. 10 وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِخْوَةٌ، فَأَعْطُوا مُلْكَهُ لأَعْمَامِهِ" العدد 27.
من النص السابق، واضح أن يدعو لتوريث بنات صلفحاد، لأن ليس لهم أخوة؛ وهذا بديهي. لكن السؤال الهام هنا هو: هل تورث البنت إذا كان هناك أولاد؟
البعض يفهم من العدد 7 السابق، أنه يفترض أنه للبنت نفس نصيب الولد؛ والبعض يستنبط أن الآيات الواردة تشكل حالة خاصة فيها لم يكن لصلفحاد بنين، لذلك أمر الله بأن تورث بناته ثروته.  لكن نقدر أن نستنبط من نصوص أخرى أن البنت تورث الولد:
"8 وَكُلُّ بِنْتٍ وَرَثَتْ نَصِيبًا مِنْ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَكُونُ امْرَأَةً لِوَاحِدٍ مِنْ عَشِيرَةِ سِبْطِ أَبِيهَا، لِكَيْ يَرِثَ بَنُو إِسْرَائِيلَ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَ آبَائِهِ (من نفس السبط)" العدد 36.
لكن البعض الآخر من المفسرين، يفهم من العدد 8 من سفر العدد 27، أن الميراث هو فقط للأولاد، وأما البنات، فلا يعط لهم ميراثا، إلا إذا لم يكن للأب أولاد.
أما النص الذي يوضح القضية بشكل جازم، هو أيوب بعدما نقاه الرب من خلال الألم والتجارب الصعبة. استنتج في نهاية وحيه (لا نعرف تفاصيل أكثر)؛ أنه يجب أن يورث بناته مثل أبناءه تمامًا:
"15 وَلَمْ تُوجَدْ نِسَاءٌ جَمِيلاَتٌ كَبَنَاتِ أَيُّوبَ فِي كُلِّ الأَرْضِ، وَأَعْطَاهُنَّ أَبُوهُنَّ مِيرَاثًا بَيْنَ إِخْوَتِهِنَّ (אֲחֵיהֶם، الذكور)" أيوب 42.
وهنا نرى مثالا واضحًا يظهر إعطاء أيوب بناته كنصيب أخوتهن الذكور من الميراث؛ وهو أمر انتهجه أيوب بعد الآلام وتنقية الرب له في أواخر عمره؛ فلماذا لا نقبله كأساس في العهد القديم؟
(3) إذا مات شخص، وليس له أي أولاد:
نرى التقسيم واضح، دون أن يحتاج إلى أي شرح:
"9 وَإِنْ ‏لَمْ تَكُنْ لَهُ ابْنَةٌ تُعْطُونَ مُلْكَهُ لإِخْوَتِهِ (أخوة الأب). 10 وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِخْوَةٌ، فَأَعْطُوا مُلْكَهُ لأَعْمَامِهِ (أعمام الأب). 11 وَإِنْ لَمْ ‏يَكُنْ لَهُ أَعْمَامٌ، فَأَعْطُوا مُلْكَهُ لأَقْرَبِ أَقْرِبَائِهِ مِنْ عَشِيرَتِهِ، فَيَرِثَهُ. وَلْتَكُنْ هَذِهِ فَرِيضَةَ قَضَاءٍ لِبَنِي ‏إِسْرَائِيلَ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى»" العدد 27.

قوانين الميراث في العهد الجديد

لقد أعطى المسيح المؤمنين مبادئ تساعدهم لكي يعرفوا تمامًا ماذا يفعلون في كل الموقف؛ ويمكن تطبيقها على عدد لا متناهي من الأمور الحياتية؛ ليس فقط في الميراث. لذلك إن قوانين الميراث في العهد الجديد، فيها يوجد مبدئان:

(1) المبدأ القانوني – وهو ملزم: 
المساواة التامة بين الرجل والمرأة في الميراث وكل نصيب:
يعطى الأولاد نفس نصيب البنات تمامًا من الميراث؛ وذلك بحسب تعليم وحي العهد الجديد: 
" 28... لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ." غلاطية 3.

(2) المبدأ الأخلاقي – وهو اختياري: 
نبذ الأنانية، والتوزيع بحسب الاحتياج للورثة، باتفاق باقي الورثة!
إن من أهم مبادئ المسيح، هو التحرر من ناموس الحقوق والواجبات، إلى شريعة المحبة المضحية، المستعدة لأن تضحي بالحقوق وتقدم أعظم من الواجبات المطلوبة.  فالله يدعو المؤمن لأن يتحرر من الأنانية ومحبة المال والذات، ويعتبر الآخرين أهم من ذاته: 
"3 ... حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ الْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ" فيلبي 2.
لذلك يعطينا وحي العهد الجديد، قضية احتياج الورثة الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار: 
"45 وَالأَمْلاَكُ وَالْمُقْتَنَيَاتُ كَانُوا يَبِيعُونَهَا وَيَقْسِمُونَهَا بَيْنَ الْجَمِيعِ، كَمَا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ احْتِيَاجٌ" أعمال 2.  
فهذه الآية تتكلم عن أناس شاركوا ميراثهم مع غرباء مؤمنين بحسب احتياجهم؛ فكم بالحري أخوك وأختك؟ هذه هي الرسالة التي يجب أن يحث عليها جميع رجال الدين المسيحيين الرعية.
فهنا يعلمنا الوحي مبدأ اعتبار الاحتياج للأخوة، وبناء عليه يتم التوزيع.  فممكن أن يكون أحد الأخوة أو الأخوات، فقراء، وأخوتهم أغنياء ولا يحتاجون 200 متر أرض مثلا ليرثوها؛ فيجب أن يقسموا للأخوهم/أختهم الفقير/ة نصيب أكبر من الأخوة الأغنياء، أو كل النصيب. طبعًا هذا ليس ملزمًا، فهو مبدأ أخلاقي لذلك هو اختياري. أما المبدأ القانوني، فهو ينص على أنه من حق الجميع، بنات وبنين، نفس النصيب؛ وهو ملزم.

القدس - 22/ 06/ 2025
باسم أدرنلي

230 مشاهدة