كنيسة بلا جدران

فوائد الحزن والألم الذي بحسب مشيئة الله

فوائد الحزن والألم الذي بحسب مشيئة الله
كما تعلمنا من المقال السابق، الحزن هو شعور طبيعي موجود في كل إنسان مهما كان؛ هو جزء من الطبيعة التي خلقها الله للبشر. ورأينا كيف أن خلاص المسيح شمل خطة للألم؛ فنرى أنه في هذا الدهر، المسيح افتدى آلامنا وأوجاعنا، من آلام بسبب التمرد على الله (آلام آدم)، لآلام بسبب طاعة الله (بآلام المسيح). وهذه الآلام بتث حياة الله في داخلنا، ولمن حولنا من خلالنا. وقلنا أن الحزن الذي بحسب مشيئة الله هو أي حالة حزن أو ألم، التي فيها يبتدئ الحزن يقربني إلى الله، بدلا من أن يبعدني عنه؛ ويغيرني أكثر لأشابه صورة المسيح. ودعينا آلامنا عندما يفتديها المسيح، آلام أو أحزان بحسب مشيئة الله.
سنستكمل نفس النص من وحي رسالة كورنثوس الثانية، ونستعرض من خلاله على سبع فوائد للحزن الذي بحسب مشيئة الله، من هذه الآية فقط:
"11 فَإِنَّهُ هُوَذَا حُزْنُكُمْ هَذَا عَيْنُهُ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ، كَمْ أَنْشَأَ فِيكُمْ مِنَ (1) الاِجْتِهَادِ، بَلْ مِنَ (2) الاِحْتِجَاجِ، بَلْ مِنَ (3) الْغَيْظِ، بَلْ مِنَ (4) الْخَوْفِ، بَلْ مِنَ (5) الشَّوْقِ، بَلْ مِنَ (6) الْغَيْرَةِ، بَلْ مِنَ (7) الاِنْتِقَامِ. فِي كُلِّ شَيْءٍ أَظْهَرْتُمْ أَنْفُسَكُمْ أَنَّكُمْ أَبْرِيَاءُ فِي هَذَا الأَمْرِ." 2 كورنثوس 7.
قبل ما نبدأ باستعراض فوائد الحزن والألم الذي بحسب مشيئة الله في الآية، نحتاج أن نوضح مبدئين عن النص السابق: 
أولا: جميع الصفات المذكورة، مدرجة بشكل إيجابي وليس سلبي. 
ثانيًا: من عبارة "بل من" " ἀλλὰ" أي "على النقيض"، المتكررة 6 مرات قبل الصفات المذكورة من 2 إلى 7. تظهر أنه كأن النص يريد أن يقول لنا، أن هذه الصفة الإيجابية التي كتبت، ذكرت بدلا من صفة سلبية معاكسة لها، لكن لم تذكر. وهو أسلوب بلاغي غير معروف في الأدب العربي.
(1) "الاِجْتِهَادِ" (المثابرة، الاستمرارية..): 
إذا أردت أن أنتقل من الحزن للانتصار المؤسس على التغيير، نعم هذا يتطلب الاجتهاد الشديد. كمثل المسيح للمرأة التي أضاعت الدرهم: "أَلاَ تُوقِدُ سِرَاجًا وَتَكْنُسُ الْبَيْتَ وَتُفَتِّشُ بِاجْتِهَادٍ حَتَّى تَجِدَهُ؟" لوقا 15: 8. 
لا تتوقع الخروج من الألم، الحزن، الفشل والاحباط، بسهوله؛ بل تحتاج لاجتهاد جاد ومثابرة!! لكن ثق، معك سراج الكلمة وزيت الروح القدس ليرشدوك، يقووا عزمك، وينيروا طريقك (مزمور 119: 107).
(2) "الاِحْتِجَاجِ" (أي الحجة القانونية): 
وفيها، عندما نقترب إلى الله، يبدأ الله يبررنا بشكل قانوني. فيعزز الأشياء الصالحة التي فينا، ويقوم الأشياء الخاطئة. فلا يكون تبريرنا لذاتنا مبنى على الحجج البشرية النافلة، بل على التغيير بحسب المنهاج الإلهي.
(3) "الْغَيْظِ" (أي الغضب الداخلي الإيجابي على الذات): 
وهل كملة تتكرر في وحي العهد الجديد. وهنا ممكن أن أقول أن الغضب على ذاتنا، هو الغضب المقدس الوحيد المشروع. لأن الغضب على الآخرين مرتبط بالحكم عليهم، الذي ليس لدينا الحق أن نقوم به، فهو متوحد على الله والمسيح. أما الحكم على ذاتنا، فهو بالعكس فضيلة ممدوحة (1 كورنثوس 11: 31). لأنه غضب على حالتنا المتمردة، يحمل الشوق للتخلص منها والتغيير. 
(4) الْخَوْفِ" (أي مخافة الرب، مثل 5: 11): 
الحزن الذي نُكَرِّسه للتقرب من الله، يعزز في داخلنا مخافة الرب والجدية في عمل ما يَسُرَّه.
(5) "الشَّوْقِ": 
بعض المفسرين يرون أن هذه الكلمة تشير لشوقهم إلى بولس. لكن إن صح التفسير، فالهدف على كل الأحوال، هو الشوق للرب ولمساته من خلال بولس أو كل نعمة حولنا. فعلاقة الحب لله، عندما تتعزز، تجعلنا نشعر باشتياق له؛ فعندما تمر بعض الساعات دون أن نقرأ شيء، أو نصلي؛ نشعر في ذلك الشوق. كما قال وحي بني قورح: "1 كَمَا يَشْتَاقُ الإِيَّلُ إِلَى جَدَاوِلِ الْمِيَاهِ، هكَذَا تَشْتَاقُ نَفْسِي إِلَيْكَ يَا اللهُ" مزمور 42. وكما قال عن أهم صفة للصالح، مقابل الشرير: "لكِنْ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ مَسَرَّتُهُ، وَفِي نَامُوسِهِ يَلْهَجُ نَهَارًا وَلَيْلاً. (المزامير 1: 2).
(6) "الْغَيْرَةِ": 
يتكلم النص على الغيرة المقدسة، التي تريد أن ترى اسم الرب يتعظم في حياتنا أكثر، وحياة من حولنا. فهي غيرة على الذات وعلى الغير أيضًا.
(7) "الاِنْتِقَامِ": 
هنا، بعد أن نتمم رجوعنا، تغييرنا، طاعة قلوبنا، وكل إصلاح فينا. ممكن أن نطلق يد الرب الديانة على الشر الذي حولنا. فيجب أن نتذكر أن "أَسْلِحَةُ مُحَارَبَتِنَا لَيْسَتْ جَسَدِيَّةً" (2 كو 10: 4)؛ بل حربنا هي روحية، وفقط مع الشيطان وأجناده. فالذي دينه يحثه على حرب البشر، يكون دينه دين من صنع البشر! أما نهج الله الحقيقي، يعلمنا أن حربنا هي ليست مع البشر، بل مع الشيطان الذي يُفسدهم. لذلك الانتقام هو انتقام الله منه وليس انتقامنا نحن: "19 لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، بَلْ أَعْطُوا مَكَانًا لِلْغَضَبِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ" رومية 12. لذلك نستطيع أن نطلق يد الله الديانة على الشر فقط عندما نطيع الله في كل شيء، ونطيعه في محبة الخاطئ؛ لذلك قال: 
"6 وَمُسْتَعِدِّينَ لأَنْ نَنْتَقِمَ عَلَى كُلِّ عِصْيَانٍ، مَتَى كَمِلَتْ طَاعَتُكُمْ." 2 كورنثوس 10. 
إن جميع هذه الفوائد والفضائل السابقة هي من نصيبك. فالرب يقدر أن يطرد الحزن والإحباط بلحظة. عندما تأتي إليه وتسلمه آلامك وضعفك، وتكون مستعد لعمل يده المُغيِّرة في داخل قلبك وحياتك. وطبعًا فوق جميع الفضائل السابقة، الله سيحول حزنك وألمك إلى فرح عميق لا يمكن أن يُنتَزَع منك؛ كما قال المسيح: 
"أَنْتُمْ سَتَحْزَنُونَ، وَلكِنَّ حُزْنَكُمْ يَتَحَوَّلُ إِلَى فَرَحٍ ... وَلاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ" يوحنا 16: 20-22 – آمين.

القدس - 21/ 06/ 2025
باسم أدرنلي

241 مشاهدة