الفرق بين إذن الله وبين مشيئة الله
لنعطِ تفسيرًا بسيطًا للمفهومين، ومن ثم نشرحهما بأكثر تفصيلاً لاحقًا في هذا المقال:
إذن الله، أو البعض يقولون بسماح من الله:
إن تعبير بإذن الله أو بسماح من الله؛ نقوله عندما يسمح الله بأن تحدث أشياء ليست بحسب مشيئته.
فعندما يريد شخص أن يقتل شخص آخر؛ وفعلا يقتله. لا نقول شاء الله فقُتِل فلان؛ لأن مشيئة الله واضحة في الكتاب المقدس: "لا تقتل" (خروج 20: 13)؛ بل نقول إذن الله (أو سمح الله)، فَقُتِلَ فلان.
أن الله الذي وهب الإنسان إرادة حرة أدبية؛ دل الإنسان على الطريق الصحيح. لكن في معظم الأحيان، الإنسان يختار أن يخطئ، والله بسبب الإرادة الحرة التي وهبه إياها، يسمح أحيانًا للإنسان بأن ينفذ إرادته الشريرة المتضاربة مع مشيئة الله، ويسمح للشر بأن يصيب الأبرياء.
مشيئة الله:
هي مشيئة الله المُعلَنة بشكل واضح في الكتاب المقدس، وحي الله الوحيد. وهي تشمل فضائل حثنا الله عليها؛ كالإحسان، مساعدة المحتاجين، الإيمان، المحبة، المسامحة، البر....
وأيضًا الامتناع عن الأشياء التي نهانا الله عنها، مثل القتل، الكذب، الزنى، السرقة...إلخ. هذه هي مشيئة الله.
لنشرح القضية أكثر وأوضح، سنأخذ بعض النقاط الهامة:
أولا، الله يخلق الفرصة للإنسان، بأن يرفضه:
إن الله خلق آدم، وخلق الإمكانية لآدم أن يرفض الله؛ هذه نسميها، الإرادة الحرة الأدبية:
"7 مُصَوِّرُ النُّورِ وَخَالِقُ الظُّلْمَةِ، صَانِعُ السَّلاَمِ وَخَالِقُ الشَّرِّ. أَنَا الرَّبُّ صَانِعُ كُلِّ هذِهِ" اشعياء 45
تفسير معنى "الشر"، المذكورة في الآية:
لكي نفهم عبارة "خالق الشر"؛ نحتاج أن نفسر ما المقصود بكلمة "شر" في الآية. الكثير مما يقرأون الكتاب المقدس، يستصعبون فهم الآية هذه. والإشكالية الكبرى في هذا، تأتي من ترجمة كلمة "شر"، لكلمة "رَعْ רע" في الآية أعلاه.
وفي الحقيقة كلمة "رَعْ רע"، تعني في النصوص أمرين: شر بمعنى مصائب، ضيقات، أو بمعنى شيء رديء. لكنها لا تعني الشر بمعنى الخطية، مثل كلمة "ريشع רשע". فكلمة ريشع تعني الشر أي الاثم والخطية؛ وكلمة رَعْ، تعني الرديء أو الشر بمعنى المصائب؛ وليس بالضرورة الشر بمعنى الخطية. مثلا: "وَفِي السَّلَّةِ الأُخْرَى تِينٌ رَدِيءٌ" (إرميا 24: 2). كلمة "رديء" هنا هي نفس الكلمة. وكلمة الشر، في معظم النصوص تعني المصائب، الضيقات، الألم، والمعاناة. كالذي اصاب أيوب "أَالْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَالشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ؟" (أيوب 2: 10). فالذي أصاب أيوب هو ليس شر بمعنى الخطية، بل شر بمعنى المصائب. ففي معظم النصوص يتردد المعنى بين هاذان المعنيان.
والآن نأتي لتفسير المقصود بكلمة "رَعْ רע"، الرديء:
يبقى هنا قضية تفسير المقصود بأن الله "خالق الشر"؛ وهنا نحتاج أن نرجع لشجرة معرفة الخير والشر. والتي أيضًا، كلمة "الشر" فيها هي "رَعْ רע" وليس "ريشع רשע"؛ أي الاثم والخطية.
وتفسير هذا هو أن الله خلق الشر، أي الرديء. وهو أن الله خلق الإنسان وهداه إلى طريق الخير؛ لكن خلق له الإمكانية للخيار الذي ليس بحسب مشيئته، الأخذ من شجرة الخير والشر. أي خلق احتمالية ترك الإنسان للرب نفسه؛ وبالتالي ترك الخير عن طريق الأخذ من شجرة الخير والشر التي خلقها الله له ("خالق الشر"). كما قال الله لموسى:
"19 أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ" تثنية 30.
فهذا الركن الله أسسه في الخليقة، من خلال الأخذ من شجرة معرفة الخير والشر. وهنا معنى أن الله خالق الاحتمال الرديء للإنسان، وهو عمل عكس مشيئة الله، مثل ترك الرب والحياة؛ وذلك عن طريق اختيار الـ "رَعْ רע"؛ خيار الابتعاد عن الله، خالقه.
الله يعمل الرديء، لكن لا يعمل الخطية!!
وهنا نحتاج أن نُفسِّر المعضلة الثالثة، لكي نفهم سلطان الله من البداية بدون أي تشويشات. الله يعمل الشر، أي الرديء، لكن لا يعمل الخطية. القصد من هذا، هو أن الله ممكن أن ينزل تأديب وقضاء على حياة الإنسان، دائمًا لهدف صالح طبعًا، لكي يحثه على التوبة والرجوع إليه، ليحيى. كما قال:
"إِنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ (أي الأثيم – "رَشَع" وليس "رَعْ")، بَلْ بِأَنْ يَرْجعَ الشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا" حزقيال 33: 11.
فالله ممكن بحسب الآية أن يعمل ما ليس بحسب مشيئته وإرادته، وهو أن يسمح بالألم والهلاك بأن يصيب البشر، ويرى هذا مُحزن ورديء في عينيه؛ لكنه لا يفعل الخطية، بمعنى الإثم. إذا ممكن أن نعرِّف الـ "رديء - رَعْ - רע" هنا أنه كل سلوك ليس بحسب مشيئة الله، فليس مشيئة الله أن يعاقب البشر ويهلكهم. فالله يعمل الرديء الذي ليس بحسب مشيئته، لكنه لا يفعل الخطية. مثل الأب الصالح، عندما يؤدب ابنه، هذا ليس جيد في عينيه ولا مُفرح، بل رديء؛ لكنه يحتاج أن يفعله لكي يحقق الصالح في حياته. وهي تشمل أيضًا سماح أو إذن الله بالكوارث، والحروب، والظلم في حياة البشر والشعوب...إلخ، لهدف صالح في قلبه تجاه البشر. ليس هو الذي يفعل هذا بشكل مباشر، بل يسمح به.
كما حدث بقصة أيوب، إبليس طلب أن يجرب أيوب، والرب سمح له (أيوب 1: 6-22). وذلك بحدود معينة حددها الله، لا يقدر إبليس أن يتعداها.
وذلك في التجربة الأولى:
"12 فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هُوَذَا كُلُّ مَا لَهُ فِي يَدِكَ، وَإِنَّمَا إِلَيهِ لاَ تَمُدَّ يَدَكَ». ثمَّ خَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ أَمَامِ وَجْهِ الرَّبِّ" أيوب 1.
وأيضًا في التجربة الثانية؛ حيث يسمح للشيطان بأن يصيب جسد أيوب أيضًا، لكن لا يسمح له بأن يقتله:
"6 فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَا هُوَ فِي يَدِكَ، وَلكِنِ احْفَظْ نَفْسَهُ (أي حياته)»" أيوب 2.
ثانيًا، ترك الله الفرصة للإنسان ليختار:
إن الله كما قلنا، ترك الفرصة للإنسان لكي يمارس إرادته الحرة ويختار:
"19 أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ" تثنية 30.
لكن حرية الاختيار التي وهبها الله للإنسان؛ تحمل معضلة صعبة الفهم لعقلنا المحدود، وأيضًا صعبة التنفيذ! نعم الله وهب للإنسان إرادة حرة ليختار؛ لكن ماذا لو كان اختيار الإنسان، فيه انتهاك وسلب للإرادة الحرة لإنسان آخر!!؟ هنا كثيرًا ما يتدخل الله، ليتيح للإنسان المسلوب الإرادة لكي يمارس إرادته الحرة المقدسة التي وهبه إياها الله.
ثالثًا، "إذن الله" و"مشيئة الله"، كيف نحددها في الأمور غير الواضحة؟
كما قلنا سابقًا، هناك أشياء بحسب مشيئة الله واضحة، مثل أشياء وضحها الكتاب: الإيمان، تمجيد الله، الإحسان، الرحمة، البر، الحب، مسامحة الآخرين...؛ وأيضًا حفظ وصايا الرب الواضحة: لا تقتل، لا تكذب، لا تزنِ، لا تسرق... إلخ. هناك أيضًا أشياء غير واضحة، خاصة عندما نتعامل مع عالم يسود عليه الشر والفساد، بسبب ممارسة إرادة الإنسان الحرة الشريرة في الكثير من الأحيان.
إما من جهة إذن الله أو سماح الله، فهذه القضية تشمل جانبين:
(1) أشياء الله نهى عنها بشكل واضح:
الله نهى عنه بوضوح، وعندما إنسان يفعلها (كالقتل مثلا)؛ نقول سمح الله فَقُتل فلان. الله أذن بأن ينال شر إنسان من إنسان آخر، ممارسًا لإرادته الحرة، التي تعكس شره للأسف.
(2) أشياء تحدث غير واضح مشيئة الله فيها. مثل انتخاب رئيس معين، لا نقدر أن نبت هل هو بحسب مشيئة الله أم لا. فنحن لا نقدر أن نبت في الغيبيات بشكل صارم؛ كما قال الوحي: "لأَنَّنَا نَعْلَمُ بَعْضَ الْعِلْمِ وَنَتَنَبَّأُ بَعْضَ التَّنَبُّؤِ. (1 كورنثوس 13: 9). أو حدوث كوارث وزلازل في بلد معين، لا نقدر أن نقول هذه دينونة من الله...إلخ. لذلك انتهج المسيحيين التقليديين في هذه الحالة للقول، بأن الله إذن أن يحكم فلان، مهما كان صالحًا، أفضل لنا أن لا نبت في هذه الأمور بشكل صارم. مشيئة الله تقال فقط في قضية معروفة لدينا كتابيًا، لذلك نقول أذن أو سمح الله، أن يحكم فلان؛ أو أن تحدث كوارث طبيعية وحروب...إلخ.
رابعًا، كيف نتعامل مع الله في العهد القديم، الذي ينسب كل شيء له؟
كتاب العهد القديم وأيضًا الجديد في الكثير من الأماكن، يعلن سيادته على كل ما يحدث على الأرض. لا يحدث شيء إلا بإذنه، لكن عندما نقرأ بمتعن نعرف الفرق بين هل شاء الله وحدثت الحرب، أم سمح الله فيها. دعنا نأخذ نموذج احتلال البابليين ليهوذا:
"15 لأَنِّي هأَنَذَا دَاعٍ كُلَّ عَشَائِرِ مَمَالِكِ الشِّمَالِ، يَقُولُ الرَّبُّ، فَيَأْتُونَ وَيَضَعُونَ كُلُّ وَاحِدٍ كُرْسِيَّهُ فِي مَدْخَلِ أَبْوَابِ أُورُشَلِيمَ، وَعَلَى كُلِّ أَسْوَارِهَا حَوَالَيْهَا، وَعَلَى كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا" إرميا 1.
"6 وَالآنَ قَدْ دَفَعْتُ كُلَّ هذِهِ الأَرَاضِي لِيَدِ نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ عَبْدِي، وَأَعْطَيْتُهُ أَيْضًا حَيَوَانَ الْحَقْلِ لِيَخْدِمَهُ" إرميا 27.
لكن الله يقول: أن البابليين ظالمين (إرميا 50: 31-32)، ومخادعين (إرميا 50: 36)؛ وأن شعب إسرائيل مظلومين (إرميا 50: 33-34)؛ وأن الله سيعاقب البابليين على هذا الشر (إرميا 2: 3 و25: 12 و50: 10-11 و31-32 و51: 26). مع أن الله يؤكد في نفس الوقت أنه هو الذي دفع الأرض لملك بابل.
لذلك نستنتج أن الله أذن لشر وجشع البابليين ليغلب شعبه ويذله، لهدف إلهي صالح لهم.
"12 وَأَجْعَلُ الأَنْهَارَ يَابِسَةً وَأَبِيعُ الأَرْضَ لِيَدِ الأَشْرَارِ، وَأُخْرِبُ الأَرْضَ وَمِلأَهَا بِيَدِ الْغُرَبَاءِ. أَنَا الرَّبَّ تَكَلَّمْتُ" حزقيال 30.
الله يسمح أحيانًا بالرديء بأن يحدث للبشر، لكنه لا يفعل الخطية. ويسمح بالضيقات والمصائب دائمًا لسبب صالح؛ وذلك ليس فقط للمؤمن، بل لجميع البشر:
"9 الرَّبُّ صَالِحٌ لِلْكُلِّ، وَمَرَاحِمُهُ عَلَى كُلِّ أَعْمَالِهِ" المزامير 145.
أما فكرة أن الله ضار، كما هو في أسماء "الله" الحسنى لدى المسلمين< فهو وصف مرفوض ومهين في حق الله، والعياذ بالله.
خامسًا، عندما يأذن الله بالشر، أحيانًا يحدد النتائج:
ممكن أن يتحكم بالنتائج ليحقق خطته في الآخر.
"20 أَجَابَ دَانِيآلُ وَقَالَ: «لِيَكُنِ اسْمُ اللهِ مُبَارَكًا مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ، لأَنَّ لَهُ الْحِكْمَةَ وَالْجَبَرُوتَ 21 وَهُوَ يُغَيِّرُ الأَوْقَاتَ وَالأَزْمِنَةَ. يَعْزِلُ مُلُوكًا وَيُنَصِّبُ مُلُوكًا. يُعْطِي الْحُكَمَاءَ حِكْمَةً، وَيُعَلِّمُ الْعَارِفِينَ فَهْمًا" دانيال 2.
ففي قصة يوسف مثلا، نرى ثلاث أنواع من الأحداث تعمل معًا:
1- أحداث يفعلها البشر حول المؤمن، كنتيجة للإرادة الحرة التي وهبهم إياها الله، ومنها الصالح ومنها الشرير.
2- وأحداث يفعلها الله مرافقة لأعمال البشر، ليستطيع أن يحقق إرادته في حياة المؤمن، بالرغم من "التخبيص" البشري وحروب الشيطان. بكلمات أخرى، الله قادر أن يتحكم بالنتائج.
3- أحداث أفعلها أنا، من جهة الأحداث التي تحدث بواسطة البشر والرب، والتي ممكن أن ينتج عنها: إمَّا تحقيق إرادة الله في حياتي، أو رفض إرادة الله لحياتي.
فيما يلي لمحة عن النقطة 1، 2 و3؛ وكيفية تعامل الله مع الأعمال التي عملها البشر في حياة يوسف، لكي يحقق في النهاية إرادته هو في حياته:
* لقد أخطأ أخوة يوسف بأنهم أرادوا قتله، لكن الله قد حثَّ رأوبين بأن يشير عليهم بأن لا يقتلوه، لكي ينجيه فيما بعد؛ واقترح بأن يطرحوه في البئر. أما الله، فبحسب معرفته السابقة بهذا، قد رتب بأن تكون البئر فارغة من الماء ليحافظ على حياة يوسف (37: 18-24).
* أيضًا قد رتب الله بأن تمر بالتوقيت المناسب قافلة من الاسماعيليين، نازلة إلى مصر لكي يباع يوسف إليهم، ولا ينجح أخوه رأوبين بإنقاذه من البئر (25-30).
* فباعه أخوته بدمٍ بارد لتلك القافل بعشرين من الفضة (37: 28)، لكن الله رتب بأن لا يباع يوسف لأي شخص، بل لفوطيفار خصي فرعون (39: 1).
* وفي بيت فوطيفار، دفع الشرير امرأته لتبتلي يوسف وتتهمه زورًا، لأنه رفض أن يخطئ إلى الله ويضطجع معها؛ فأدخل فوطيفار يوسف السجن (39: 7-20). لكن الرب رتب بأن يُدخِلَه للسجن الذي كان أسرى الملك محبوسين فيه (20)، وليس السجن العادي. وبسط الله لطفًا ليوسف أمام رئيس السجن (21).
* وبعدها أذنب الخباز وساقي الملك إلى الملك، فزجهم في نفس السجن، لكن الله جعلهما يحلمان أحلامًا لكيما يجعل يوسف يُفسرها لهما (40: 1-22).
* فبالرغم من أن يوسف طلب إلى رئيس السقاة بأن يذكره للملك عندما يُرجعه (14)، لكن الله جعله ينساه لمدة سنتين (23)!
* إلى أن حَلُمَ فرعون حلمًا أزعجه، فدعى جميع السحرة لتفسيره ولم يستطيعوا (41: 1-8).
* فرتب الرب بأن يتذكر رئيس السقاة يوسف ساعتها فقط، ليفسر للملك حُلمه (9-13)؛ فجعل الله فرعون يحضر يوسف ليفسر له حُلمَه.
* فيرتب الرب بأن يعينه فرعون الرجل الثاني في مملكته (37-44)...إلخ.
فكل الأحداث التي حدثت في حياة يوسف كانت محاطة بأعمال البشر ليوسف المنقادة بإرادتهم الحرة الخالصة؛ لكن ورائها نرى إصبع الله القادر أن يحقق إرادته دائمًا مهما قاوم البشر والشيطان. ونرى اختيارات يوسف الصالحة والتقية التي مكنت الله من تحقيق مشيئته في حياته.
كما يُعَبِّر تقرير الوحي عن الأحداث ويقول:
"16 دَعَا (الله) بِالْجُوعِ عَلَى الأَرْضِ. كَسَرَ قِوَامَ الْخُبْزِ كُلَّهُ. 17 أَرْسَلَ أَمَامَهُمْ رَجُلاً. بِيعَ يُوسُفُ عَبْداً. 18 آذُوا بِالْقَيْدِ رِجْلَيْهِ. فِي الْحَدِيدِ دَخَلَتْ نَفْسُهُ 19 إِلَى وَقْتِ مَجِيءِ كَلِمَتِهِ (إلى وقت الكلمة الحاسمة والأخيرة من قبل الرب!). قَوْلُ الرَّبِّ امْتَحَنَهُ.
(والنتيجة كما يلي) 20 أَرْسَلَ الْمَلِكُ فَحَلَّهُ. أَرْسَلَ سُلْطَانُ الشَّعْبِ فَأَطْلَقَهُ. 21 أَقَامَهُ سَيِّداً عَلَى بَيْتِهِ وَمُسَلَّطاً عَلَى كُلِّ مُلْكِهِ 22 لِيَأْسِرَ رُؤَسَاءَهُ حَسَبَ إِرَادَتِهِ وَيُعَلِّمَ مَشَايِخَهُ حِكْمَةً. 23 فَجَاءَ إِسْرَائِيلُ إِلَى مِصْرَ وَيَعْقُوبُ تَغَرَّبَ فِي أَرْضِ حَامٍ." مزمور 105.
فاستخدم الرب أخوة يوسف، عن طريق عمل إرادتهم الحرة؛ ويده كانت فوق يدهم، متتبعًا جميع الأحداث وسائد عليها. وفي النهاية، استخدم الله أعمالهم، ليحقق مشيئته، دون أن ينتهك إرادتهم الحرة!! يا له من إله عظيم مجيد فوق مستوى أي بشر؛ مجْدًا لاسمه العظيم.
لكن المهم في الموضوع هو تجاوب المؤمن مع تلك الأحداث (النقطة 3)، وهل سيسمح المؤمن لله بأن يحقق إرادته في حياته أم لا، بالرغم من الآلام والصعوبات؟
بكلمات أخرى، أنا وحدي الذي في يدي القرار بأن يجري الله إرادته في حياتي أم لا. لا يستطيع، أي إنسان أو شيطان، أن يمنع دعوة الله لحياتي أبدًا. فالمسئول عن تحقيق دعوة الله لي هو أنا فقط، فلست دائمًا أسمح لله بأن يحقق إرادته في حياتي. فلقد استطاع أن يمارس يوسف دعوته في بيت أبيه، وفي بين بوطيفار، وفي السجن، وبعدها في بيت فرعون أيضًا وكان دائمًا ناجحًا في كل مكان وُضع فيه. كما قال بولس عندما كان سجينًا وأسيرًا: "...لكن كلمة الله لا تُقيَّد" (2 تيمواثاوس 2: 9)؛ أي أن السجن لا يقدر أن يقيد دعوة الله لبولس ولكل مؤمن يريد إرادة الله في حياته.
القدس - 16/ 06/ 2025
باسم أدرنلي