علاقة المؤمن بالنظام الحاكم
لعل أهم نصوص العهد الجديد التي تتكلم عن علاقة المؤمن بالسلطات الحاكمة والنظام، هو هذا النص:
"1 لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِين الْفَائِقَةِ لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ 2 حَتَّى إِنَّ مَنْ يُقَاوِمُ السُّلْطَانَ يُقَاوِمُ تَرْتِيبَ اللهِ وَالْمُقَاوِمُونَ سَيَأْخُذُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَيْنُونَةً. 3 فَإِنَّ الْحُكَّامَ لَيْسُوا خَوْفاً لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَلْ لِلشِّرِّيرَةِ. أَفَتُرِيدُ أَنْ لاَ تَخَافَ السُّلْطَانَ؟ افْعَلِ الصَّلاَحَ فَيَكُونَ لَكَ مَدْحٌ مِنْهُ 4 لأَنَّهُ خَادِمُ اللهِ لِلصَّلاَحِ! وَلَكِنْ إِنْ فَعَلْتَ الشَّرَّ فَخَفْ لأَنَّهُ لاَ يَحْمِلُ السَّيْفَ عَبَثاً إِذْ هُوَ خَادِمُ اللهِ مُنْتَقِمٌ لِلْغَضَبِ مِنَ الَّذِي يَفْعَلُ الشَّرَّ. 5 لِذَلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يُخْضَعَ لَهُ لَيْسَ بِسَبَبِ الْغَضَبِ فَقَطْ بَلْ أَيْضاً بِسَبَبِ الضَّمِيرِ. 6 فَإِنَّكُمْ لأَجْلِ هَذَا تُوفُونَ الْجِزْيَةَ أَيْضاً إِذْ هُمْ خُدَّامُ اللهِ مُواظِبُونَ عَلَى ذَلِكَ بِعَيْنِهِ. 7 فَأَعْطُوا الْجَمِيعَ حُقُوقَهُمُ: الْجِزْيَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِزْيَةُ. الْجِبَايَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِبَايَةُ. وَالْخَوْفَ لِمَنْ لَهُ الْخَوْفُ. وَالإِكْرَامَ لِمَنْ لَهُ الإِكْرَامُ." رومية 13.
ممكن أن نحصر التفاسير الأساسية المختلفة لهذا النص في أربعة أساسية، باختصار:
1- الخضوع لكل قيادة تعيَّن في البلد:
الرأي التقليدي للآباء في النص، هو أن نخضع للسلطة الحاكمة، ونحفظ القانون والمواطنة الصالحة التي تعكس سيرة وأمانة المسيح في وسط مجتمع ملتوي ومبتعد عن الله:
"15 لِكَيْ تَكُونُوا بِلاَ لَوْمٍ، وَبُسَطَاءَ، أَوْلاَدًا ِللهِ بِلاَ عَيْبٍ فِي وَسَطِ جِيل مُعَوَّجٍ وَمُلْتَوٍ، تُضِيئُونَ بَيْنَهُمْ كَأَنْوَارٍ فِي الْعَالَمِ" فيلبي 2.
فلم يرَ الآباء أن هناك تعارض بين الإيمان والمواطنة الصالحة. إلا إذا طلب منا القانون أو الحاكم، أن نفعل شيء يتضارب مع إيماننا، عندها نرفض طبعًا (مثال دانيال، حننيا، ميشائيل وعزريا...إلخ).
بعض الملاحظات الهامة عن قضية الخضوع:
* هو خضوع حسب الجسد فقط: "22 أَيُّهَا الْعَبِيدُ، أَطِيعُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ سَادَتَكُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ.." كولوسي 3. فتبعيتنا الروحية والأخلاقية، هي بحسب ملكوت المسيح السماوي، نخدمه ونخلص له فقط.
* أما من جهة الأمور الروحية: " يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ اللهُ أَكْثَرَ مِنَ النَّاسِ" أعمال 5: 29.
لننتبه من جهة الآية السابقة؛ هي لا تقول أننا يجب ألا نطيع الناس أو المجتمع. الآية تقول لنا أنه فقط عندما يتضارب فكر المجتمع أو الدولة مع إيماننا، نطيع الله وليس الناس. غير ذلك، يحثنا الوحي أن نطيع الناس؛ أي أن لا نعيش بتضارب وتنافر مع المجتمع:
"21 مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ، لَيْسَ قُدَّامَ الرَّبِّ فَقَطْ، بَلْ قُدَّامَ النَّاسِ أَيْضًا" 2 كورنثوس 8.
* الخضوع لا يعني أننا موافقين كليًا على القانون؛ بل مجرد اعتبار أن يد الله فوق يد الحاكم. والمسيح هو صاحب السيادة العليى؛ عندما يسمح أن نعيش تحت نظام فيه ظلم، هو يعرف ماذا يفعل. فيجب أن نطيعه، نثق به، ونخدم ملكوته فيه. ونعلم أننا أحرار في المسيح، وليس مستعبدين لأحد، وحتى لو تم استعبادنا بالجسد:
"21 دُعِيتَ وَأَنْتَ عَبْدٌ فَلاَ يَهُمَّكَ. بَلْ وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصِيرَ حُرًّا فَاسْتَعْمِلْهَا بِالْحَرِيِّ. 22 لأَنَّ مَنْ دُعِيَ فِي الرَّبِّ وَهُوَ عَبْدٌ، فَهُوَ عَتِيقُ الرَّبِّ. كَذلِكَ أَيْضًا الْحُرُّ الْمَدْعُوُّ هُوَ عَبْدٌ لِلْمَسِيحِ. 23 قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ، فَلاَ تَصِيرُوا عَبِيدًا لِلنَّاسِ. 24 مَا دُعِيَ كُلُّ وَاحِدٍ فِيهِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ فَلْيَلْبَثْ فِي ذلِكَ مَعَ اللهِ" 1 كورنثوس 7.
* يجب أن نحترم القانون، نكرم جميع الناس بدون تمييز؛ وأيضًا نكرم ونحترم الملك والقادة.
فيما يلي، بعض الآراء المعاصرة على رومية 13: 1-7، للنص أعلاه:
2- الخضوع لنظام التعيين نفسه، لأنه نظام إلهي!!
"لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ": يعني أن الله وضع نظام أرضي للحكومات؛ إرادة حرة للبشر، واختيار أو تعيين الحاكم. وجميع الذين يؤمنون بالقدرية (Deism)، يميلون للتأكيد أن الله وضع نظامَ الحكومات؛ وهو نظام سائر ويعمل، ومرتبط بممارسة البشر لإرادتهم الحرة في الاختيار.
تعليق على هذا الرأي:
أولا: إن وضع نظام دول وحكومات، بحسب رأي الآباء، صحيح؛ ووجد منذ وصايا نوح (تكوين 9: 5-6)؛ وهو جزء مما تقوله الآية "السلاطين الفائقة". لكن هذا لا ينفي أن تعيين الحاكم، أيضًا يتم بإذن إلهي؛ وحتى لو انتخبه البشر فعلاً.
ثانيًا: لو قلنا أن الله وضع النظام نفسه وفقط، دون سماحه بتعيين القائد؛ أي نظام وضعه الله؟؟ الإقطاعية، الحكم بواسطة الانقلاب، النظام القمعي، الديمقراطية، الدكتاتورية، الشيوعية، حكم العصابات والمليشيات..!؟ فكما أن طبيعة النظام غير محددة في عالمنا؛ أيضًا يعكسها طبيعة الذي يحكم. فكما أن الحكم ممكن أن يكون متنوع بين الصلاح أو الشر، أي غير محدد؛ كذلك الذي يحكم أيضًا. فكلاهما سيان ولا ينفصلان؛ لا تقدر أن تقبل واحد وترفض الآخر!
ثالثًا: الإنسان غير ملتزم أخلاقيًا وسلوكيًا بالمبادئ التي وضعها الله في وحيه؛ كباقي الخليقة. لأن الإنسان متمرد بجانبين:
(1) انتهاك بشر الإرادة الحرة لبشر آخرين. فافتراض اللبراليين بأن البشر يمارسون الإرادة الحرة ويختارون القائد، هي أصلا خطأ. جزء كبير من العالم لا يختار؛ وفيه القائد لا يُنتخب، بل يُفرض على الشعب، أي ينتهك إرادتهم الحربة، فكيف يتركه الله لنظام دون أن يتدخل فيه!؟
(2) الإنسان غير ملتزم بالأخلاقيات والسلوكيات التي وضعها الله للبشر! فكيف سيكون الله وضع نظام قائم بذاته دون تدخله، والإنسان غير ملتزم به!؟ كيف يمكن أن يُطبق هذا النظام، دون أن يضطر الله أن يتدخل فيه (كون الإنسان غير ملتزم به)؟ بل عدم التزام الإنسان الأخلاقي والسلوكي، يفترض أن الله يجب أن يتدخل في الأنظمة أحيانًا، ليحمي البشر من شرهم وطغيانهم، لأنه يحبهم.
3- الخضوع هو فقط للحاكم العادل:
"4 لأَنَّهُ خَادِمُ اللهِ لِلصَّلاَحِ! وَلَكِنْ إِنْ فَعَلْتَ الشَّرَّ فَخَفْ لأَنَّهُ لاَ يَحْمِلُ السَّيْفَ عَبَثاً إِذْ هُوَ خَادِمُ اللهِ مُنْتَقِمٌ لِلْغَضَبِ مِنَ الَّذِي يَفْعَلُ الشَّرَّ" رومية 13.
يفسر هذه الإشارتين البعض، أنه لا خضوع للحاكم الظالم. فمن الآية، "هو خادم الله للصلاح"، و"منتقم من الذي يفعل الشر"، يستنتجون أن الخضوع يجب أن يكون للحاكم العادل فقط؟
لكن القضية هنا كما تكلمنا عنها في مقالات كثيرة؛ من سيُعَرِّف العدل؟ وكيف سيَعْرِف العالم العدل الحقيقي والكتابي!؟ خاصة أن وحي العهد الجديد يصف نظام العالم، بالنظام الظالم!!
"1 أَيَتَجَاسَرُ مِنْكُمْ أَحَدٌ لَهُ دَعْوَى عَلَى آخَرَ أَنْ يُحَاكَمَ عِنْدَ الظَّالِمِينَ، وَلَيْسَ عِنْدَ الْقِدِّيسِينَ؟" 1 كورنثوس 6.
إن التصنيف في الآية صاعق؛ حيث يصف الكنيسة بنظام "القديسين"، ويصف محاكم العالم ونظامها بـ "الظالمين"! فعلى أي صلاح وعدل سنتكلم إذا؟؟
4- الخضوع المقصود به خضوع للقادة الروحيين!
Mark Nanos, author of “The Mystery of Romans: The Jewish Context of Paul’s Letters”
يقترح هذا التفسير أن عبارة "هُوَ خَادِمُ اللهِ"، تعني أنه خادم للإنجيل، مثل القس! فمع أنه ربما هذه هي العبارة الوحيدة التي ممكن أن تتوافق مع هذه النظرية.
* لكن كل باقي الكلمات لا تتوافق إطلاقًا مع هذا التفسير. فقبلها يقول "السلاطين الفائقة"! معنى كلمة "الفائقة" لا ينسجم مع روح العهد الجديد، الذي يدعو للاتضاع وينبذ الفوقية (1 كو 12: 28).
* أيضًا بعدها يقول أنه "لا يحمل السيف عبثًا"؛ يقول مارك نانوس عنها أنها رمزية؛ يتكلم عن سيف الروح! وهذا لا ينسجم مع سياق الآيات إطلاقًا؛ مما ينقلنا للنقطة القادمة.
* وماذا عن عبارة "منتقم للغضب"؟ لا تنسجم مع روح العهد الجديد أيضًا؛ خاصة إذا وجهناها للمؤمنين، كما يقول التفسير!
* من جهة كلمات الضرائب: "الجباية φόρον" "الجزية τέλος" في عدد 7. هي مختلفة بشكل جوهري، عن المفردات المرتبطة بالكنيسة: " ἀποδεκατοῦτε προθέσεως"؛ الكلمات التي تكررت في: "تعشرون" (متى 23: 23) و "تقدمة" (متى 12: 4)؛ تختلف كليًا في أصلها عن كلمات نص رومية 13 أعلاه!
لنأخذ كلمات المفتاح والآيات، آية آية، من النص السابق، نفسرها ونوضح معناها:
عدد 1:
"لِتَخْضَعْ": ليس فيها تأويل من حيث المعنى اللغوي، لكن في المعنى التفسيري؛ إن مفهوم الآيات السابقة واضح لدى آباء الكنيسة. لكن دخل على الفهم التقليدي أيضًا تفاسير عديدة، خاصة في آخر مئة عام؛ كما رأينا سابقًا.
"كُلُّ نَفْسٍ": تعني نظام الله أن يخضع جميع مواطني الدولة للنظام، مهما كانوا. هذا يكون أفضل من الفوضى والانفلات الأمني، ونظام العصابات والمليشيات. وعندنا أمثلة عديدة في الشرق الأوسط لسيطرة مليشيات متعددة على دولة؛ كحالة سوريا طوال فترة الثورة على بشار الأسد. فحتى لو عشت تحت نظام دكتاتوري، يظل أفضل من الفوضى الكارثية بعد سقوطه. كحالة قبل وبعد سقوط صدام حسين والقذافي...إلخ.
"السلاطين": "ἐξουσίαις جمع- ἐξουσίαν مفرد" تأتي من كلمة سلطان، ذوي السلطة. وهي نفس كلمة "السلطان" الروحي (وليس الجسدي) الذي أعطاه المسيح للتلاميذ؛ ويعني سلطة قانونية.
"الفائقة" "ὑπερεχούσαις" (بمعنى: أعلى، أفضل، يفوق؛ مثل فيليبي: 2: 3 و3: 8 و4: 7.
مثلا في 1 بطرس 2: 3 يقول:
"فَاخْضَعُوا لِكُلِّ تَرْتِيبٍ بَشَرِيٍّ مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ. إِنْ كَانَ لِلْمَلِكِ فَكَمَنْ هُوَ فَوْقَ الْكُلِّ".
يختلف عن الكلمات المُستخدمة للكنسية، مثلا: "أَوَّلاً رُسُلاً πρῶτον" (1 كو 12: 28). حيث يصور الكتاب القائد، كمن يسير أمام الجمع، وليس فوق الجمع؛ والمسيح دعانا لنظام فيه الجميع في نفس المستوى: "الكبير فيكم ليكن كالأصغر" (لوقا 22: 26)!
"لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ": فهمها آباء الكنيسة أنها تتكلم عن الحاكم؛ أنه لا يمكن أن يُعَيَّنوا دون أن يسمح الله بتعيينهم. وكلمة "سلطان" هي تعني أخذ السلطة لحكم دولة، أو أداء دور قانوني/سياسي/مدني. تكررت في الوحي بصيغ مثل: "بِأَيِّ سُلْطَانٍ تَفْعَلُ هذَا؟" (متى 21: 23) "أَنَا أَيْضًا إِنْسَانٌ تَحْتَ سُلْطَانٍ" (متى 8: 9).
عندما نقول السلطان يعين بسماح من الله؛ هذا لا يعني طبعًا أنه راضٍ عن الحاكم الذي يسمح بتعيينه (كما يعلمنا المقال 4).
"مرتبة" "τεταγμέναι" معينة، مُعَدَّة؛ تكررت في:
"وَآمَنَ جَمِيعُ الَّذِينَ كَانُوا مُعَيَّنِينَ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ" أعمال 13: 48
"2 .. رَتَّبُوا أَنْ يَصْعَدَ بُولُسُ وَبَرْنَابَا وَأُنَاسٌ آخَرُونَ مِنْهُمْ إِلَى الرُّسُلِ.." أعمال 15.
"ترتيب" "διαταγῇ" ذكرت فقط مرتين، بمعنى: تنظيم، تنسيق، تعيين؛ في الآية أعلاه.
المرة الثانية: "الَّذِينَ أَخَذْتُمُ النَّامُوسَ بِتَرْتِيبِ مَلاَئِكَةٍ وَلَمْ تَحْفَظُوهُ " أعمال 7: 53.
أي الملائكة الذين قاموا بسنه بواسطة الوحي الإلهي؛ غلاطية 3: 19.
لذلك يسمى الناموس أيضًا: "الْكَلِمَةُ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا مَلاَئِكَةٌ" عبرانيين 2: 2.
عدد 2:
"2 حَتَّى إِنَّ مَنْ يُقَاوِمُ السُّلْطَانَ يُقَاوِمُ تَرْتِيبَ اللهِ وَالْمُقَاوِمُونَ سَيَأْخُذُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَيْنُونَةً"
إن هذه الآية، هي ضربة كبيرة لأي لاهوت لبرالي. وهذا أيضًا ما علمنا أيَّاه المسيح، من خلال قوله لبيلاطس:
"11 أَجَابَ يَسُوعُ: لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ، لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ..." يوحنا 19.
عدد 3:
"3 فَإِنَّ الْحُكَّامَ لَيْسُوا خَوْفاً لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَلْ لِلشِّرِّيرَةِ. أَفَتُرِيدُ أَنْ لاَ تَخَافَ السُّلْطَانَ؟ افْعَلِ الصَّلاَحَ فَيَكُونَ لَكَ مَدْحٌ مِنْهُ"
أي أن الحاكم، مهما كان، لا يمكن أن يعاقبك وأنت عامل الخير؛ لكن فقط للأعمال المخالفة للقانون. كما قال الوحي:
"15 فَلاَ يَتَأَلَّمْ أَحَدُكُمْ كَقَاتِل، أَوْ سَارِق، أَوْ فَاعِلِ شَرّ، أَوْ مُتَدَاخِل فِي أُمُورِ غَيْرِهِ. 16 وَلكِنْ إِنْ كَانَ كَمَسِيحِيٍّ، فَلاَ يَخْجَلْ، بَلْ يُمَجِّدُ اللهَ مِنْ هذَا الْقَبِيلِ" 1 بطرس 4.
عدد 4 و5:
"لأَنَّهُ خَادِمُ اللهِ"؛ وقد تعني مجرد أي حاكم، وحتى لو كان كافرًا؛ حيث تنسجم مع وصف: "نَبُوخَذْرَاصَّرَ عَبْدِي" إرميا 25: 9. و"يَقُولُ الرَّبُّ لِمَسِيحِهِ، لِكُورَشَ" أشعياء 45: 1.
"لِلصَّلاَحِ": نعم نظام الله ينص على أن ينفذ الحاكم التساوي بين الناس والخير العام؛ لكن هذا لا يعني أننا لا نخضع له إذا لم يكن عادلا؛ إلا في حالة واحدة، إذا أمرنا أن نفعل شيء يتضارب مع إيماننا. وهناك آيات عديدة في العهد الجديد تثبت الفكرة:
"21 يَا ابْنِي، اخْشَ الرَّبَّ وَالْمَلِكَ. لاَ تُخَالِطِ الْمُتَقَلِّبِينَ (עִם-שׁוֹנִים, אַל-תִּתְעָרָב، المتذبذبين، المتمردين - وصف دقيق!)، 22 لأَنَّ بَلِيَّتَهُمْ تَقُومُ بَغْتَةً، وَمَنْ يَعْلَمُ بَلاَءَهُمَا كِلَيْهِمَا (لأن الدمار والبلاء اللذان ينتجه الثوار يكون فجئة؛ ونتيجتهما من يعلمها!؟)" أمثال 24.
"1 ذَكِّرْهُمْ أَنْ يَخْضَعُوا لِلرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينِ، وَيُطِيعُوا، وَيَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ، 2 وَلاَ يَطْعَنُوا (βλασφημεῖν يتكلم بشر، بسباب) فِي أَحَدٍ ، وَيَكُونُوا غَيْرَ مُخَاصِمِينَ، حُلَمَاءَ، مُظْهِرِينَ كُلَّ وَدَاعَةٍ لِجَمِيعِ النَّاسِ." تيطس 3.
"17 أَكْرِمُوا الْجَمِيعَ. أَحِبُّوا الإِخْوَةَ. خَافُوا اللهَ. أَكْرِمُوا الْمَلِكَ" 1 بطرس 2.
"5 لِذَلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يُخْضَعَ لَهُ لَيْسَ بِسَبَبِ الْغَضَبِ فَقَطْ بَلْ أَيْضاً بِسَبَبِ الضَّمِيرِ نخضع ليس لأننا خائفين من الملك، بل بسبب خوفنا من الله الذي سمح بتعيينه."
نخضع للحكام، ليس لسبب العقاب، بل لسبب ضميرنا الصالح نحو المسيح؛ الذي دفع إليه كل سلطان في المساء وعلى الأرض.
عدد 6 و7:
"6 فَإِنَّكُمْ لأَجْلِ هَذَا تُوفُونَ الْجِزْيَةَ أَيْضاً إِذْ هُمْ خُدَّامُ اللهِ مُواظِبُونَ عَلَى ذَلِكَ بِعَيْنِهِ. 7 فَأَعْطُوا الْجَمِيعَ حُقُوقَهُمُ: الْجِزْيَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِزْيَةُ. الْجِبَايَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِبَايَةُ"
"الجباية φόρον فورون" "الجزية τέλος تيلوس" في عدد 7. هي حرفيًا لا تعني جزية، بل تعني المردود الضريبي الذي يُدفع في آخر السنة؛ لكن بحسب معنى السياق التاريخي؛ على الأرجع تتكلم عن الجزية التي تدفع مرة كل آخر سنة من المواطنين الدرجة الثانية؛ أي ضريبة غير عادلة! وهي تنسف فكرة عدم دفع الضرائب لدولة "غير عادلة"!
ونرى المسيح يثبت هذه الفكرة في قضية دفع ضريبة الهيكل، مع أننا نفهم بحسب الرواية، أنها غير عادلة أو منصفة؛ لأن أبناء البلد غير ملزمين بدفعها. لكن المسيح أمر بطرس أن يدفعها:
"25 قَالَ: «بَلَى». فَلَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ سَبَقَهُ يَسُوعُ قَائِلاً: «مَاذَا تَظُنُّ يَا سِمْعَانُ؟ مِمَّنْ يَأْخُذُ مُلُوكُ الأَرْضِ الْجِبَايَةَ أَوِ الْجِزْيَةَ، أَمِنْ بَنِيهِمْ أَمْ مِنَ الأَجَانِبِ؟» 26 قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «مِنَ الأَجَانِبِ». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «فَإِذاً الْبَنُونَ أَحْرَارٌ (أي نحن لا ينبغي أن ندفع قانونيًا). 27 وَلكِنْ لِئَلاَّ نُعْثِرَهُمُ، اذْهَبْ إِلَى الْبَحْرِ وَأَلْقِ صِنَّارَةً، وَالسَّمَكَةُ الَّتِي تَطْلُعُ أَوَّلاً خُذْهَا، وَمَتَى فَتَحْتَ فَاهَا تَجِدْ إِسْتَارًا، فَخُذْهُ وَأَعْطِهِمْ عَنِّي وَعَنْكَ»" متى 17.
القدس - 31/ 05/ 2025
باسم أدرنلي