الكنيسة لا تتدخل فيمن يحكم أرض
كما سنرى في هذا المقال من خلال ما يعلمنا إياه الوحي الإلهي، إن الكنيسة يجب ألا تقاوم أو ترفض: (1) قلبيًا (2) سلميًا (3) أو فعليًا، حكم مَنْ يحكم أرض معينة. طبعًا يجب أن تصلي الكنيسة كيما يخصلها الرب من الحكومات الشريرة. لكن قضية مقاومة من يحكم أرض، يجب أن تخضع لها، وتعلم أنه لله خطة صالحة لأجل الشعوب، وهو يعلم كيف يحققها، ويعلم ما هو الأفضل للبلد. لذلك قضية من يحكم أرض معينة هي فقط تحت سلطان الله وحده؛ فلا يجوز لنا ككنسية أن نتدخل فيه أو نقاومه.
الله صاحب السلطان على توزيع الشعوب وحدود الدول:
"26 وَصَنَعَ (الله) مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ (الله صنع الأمم، فلسطينيين وإسرائيليين وغيرهم) يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ الأَرْضِ، وَحَتَمَ بِالأَوْقَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَبِحُدُودِ مَسْكَنِهِمْ 27 لِكَيْ يَطْلُبُوا اللهَ لَعَلَّهُمْ يَتَلَمَّسُونَهُ فَيَجِدُوهُ (هدف الله من وراء سماحه بتكوين الشعوب والدول، هو توبة ورجوع الإنسان إليه)، مَعَ أَنَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا لَيْسَ بَعِيداً. 28 لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ (يتكلم عن عناية أكيدة لله فينا شخصية، وليس بإطار نظام فقط) ..." أعمال 17.
الحقيقة هي أن المسيحية اللبرالية، تنظر لهذه الآيات باستخفاف؛ وتفسرها على أنها تتكلم عن معرفة الله الكاملة من البدء لما سيحدث على الأرض. لكن يقولون لك أن الله لم يحدد هو بنفسه الحدود والدول، بل هذا فعل بشري خالص. ودور الكنيسة هو التعامل معه في إطار نظام هذا العالم: المحاكم الدولية، الاتفاقيات، حقوق الإنسان، الأمم المتحدة...إلخ؛ لأن هذا هو النظام الذي وضعه الله أيضًا. وأن دور الله معنا ككنيسة، هو إلهامنا ومنحنا حكمة، لكي نغير الأنظمة بذراعنا مستخدمين جميع المصادر السابقة!!
فما هو الفهم الصحيح للآيات أعلاه. هل تفسير المسيحية اللبرالية والمسيحية التقدمية (Progressive Christianity)؟ أم تفسير آباء الكنيسة الذين فهموا أن الكلمة الأخيرة في توزيع الشعوب ووضع حدود للدول، هي للرب؟
لنفهم هذا، سندرس كلمات المفتاح في اللغة الأصلية التي وردت في الآيات السابقة؛ والكيفية التي استخدمت بها، خاصة في نفس سفر أعمال الرسل:
كلمة: "وَحَتَمَ" "ὁρίσας "أوريسَس" بصيغة الفعل المستمر "مُحتِّمًا". وهي متكررة مثلا في الآيات الآتية:
"هذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّمًا بِمَشُورَةِ اللهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ" أعمال 2: 23.
"وَنَشْهَدَ بِأَنَّ هذَا هُوَ (أي المسيح) الْمُعَيَّنُ مِنَ اللهِ دَيَّانًا لِلأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ" أعمال 10: 42.
تصور هذا الاستخدام الثاقب لكلمة "حَتَّمَ"، الذي لا يترك لنا أي مجالا للتأويل ويثبت رأي آباء الكنيسة في الآيات. كما أن توقيت صلب المسيح، تم في وقت محتوم؛ وأيضًا المسيح هو "المعين"، ليدين الأحياء والأموات، كذلك حدود الدول، الله حَتَّمه، ثبته، لذلك أفضل لنا أن لا نتلاعب به.
كلمة: "بِالأَوْقَاتِ"، "καιροὺς كايروس"، وهي تختلف عن "كرونوس" التي تعني أي وقت؛ حيث تتكلم كلمة كايروس عن وضع وقت محدد من قبل الله، لا يمكن التلاعب فيه.
وتعني حرفيًا: التوقيت المناسب، الحاسم، والفرصة الذهبية [Liddell and Scott, Greek-English Lexicon. في لاهوت العهد الجديد، تعني الوقت المعين للقصد الإلهي. وتكررت في قول المسيح للتلاميذ:
"لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الَّتِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِه" أعمال 1: 7.
"وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ" غلاطية 4: 4.
هل هناك كلمة صارمة وواضحة أكثر من هذه!؟ كلمة، تؤكد أن ترسيم حدود الدول هو شيء تحت سلطان الله التام.
كلمة: "الْمُعَيَّنَةِ"، "προστεταγμένους پروستيتاغمينويس" وهي تتكلم عن أوامر إلهية؛ تكررت مثلا في:
"نَحْنُ جَمِيعًا حَاضِرُونَ أَمَامَ اللهِ لِنَسْمَعَ جَمِيعَ مَا أَمَرَكَ بِهِ اللهُ (المرسوم الإلهي)" أعمال 10: 33.
كلمة ثالثة أيضًا واضحة ثاقبة في الآيات؛ تنسف أي تفسير لبرالي بشكل تام، وتثبت فهم آباء الكنيسة للآيات. إذا لله الكلمة الأخيرة بخصوص توزيع الشعوب ورسم حدود الدول. وطبعًا، هو عمل بشري تام، لكنه قائم في أطار سماح الله الصارم الدقيق، لكي يحقق خطته الصالحة لأجل جميع الشعوب؛ ولذلك أفضل لنا أن لا نتداخل فيه. بل نصلي أن يخصلنا الله من الأنظمة الشريرة، لكن مع تسليمنا لمشيئته الصالحة، والثقة التامة به، والشكر الدائم له على كل شيء يسمح به في حياتنا.
أمثلة تاريخية:
الجزائر مثلا بذلت على مدار 132 سنة 6 ملايين شهيدًا، لتتحرر من فرنسا. وإن لم تفعل أي شيء، ستتحرر أيضًا من فرنسا في وقت الله المحدد لها (دون هدر أروح الملايين من الناس للأسف!!!). كما تحررت 14 دولة من الاستعمار الأوروبي في أفريقيا في ستينيات القرن الماضي، تقريبًا بدون أي ثورات.
أما قصة الصراع العربي الإسرائيلي. نرى فيه مثلا اليهود يقترحوا على العرب حل دولة ذات قوميتين يهودية وعربية في السنوات 1922 و1947، ويرفض العرب! البريطانيون يقترحوا تقسيم حولي 20٪ من الأرض لليهود والباقي للعرب سنة 1937 (Peel Commission) والعرب يرفضوا! يحارب العرب اليهود طوال سنوات: 1920- 1929 (ثورة البراق)، واحتجاجات 1933، وحروب 1948، 1956، 1967، 1973، والانتفاضتين الأولى والثانية سنوات 1987 و2000، وحرب غزة الأخيرة 2023، التي سبقها 5 حروب (2008-2022)... إلخ. وإلى اليوم المقاومة قائمة؛ وفي كل مرة، إسرائيل تتقوى وتحقق مكاسب أكبر، والفلسطينيون يخسرون وتتناقص طموحاتهم والإمكانيات أمامهم أكثر وأكثر!!! هل ممكن أن نكون كفلسطينيين نحارب الأزمنة الإلهية المحتومة والمعينة من الله، دون أن ندري هذا، فنأذي أنفسنا!!؟؟
وطبعًا عندما نقول أزمنة محتومة، هذا لا يعني أن اليهود أفضل بعيون الله، أو أنهم على حق أكثر من الفلسطينيين إطلاقًا! بل ممكن أن يعني العكس تمامًا. عندما أعلن الله في سفر إرميا النبي أنه سيعطي الأرض لبابل وقت سبي مملكة يهوذا؛ هو شهد أن البابليين كانوا أشرار، وشعبه كان مظلومًا؛ وتوعد بعقاب بابل (كما سنستعرض الآيات لاحقًا). لكن هذه مراسيم إلهية، هدفها صالح للشعوب، إذا حاربتها تخسر، وإذا قبلتها وغيرت من نفسها وتابت، تكسب وتحقق من البركات، ما لن تحققه بمئات السنين. فكان بإمكان قبرص مثلا، التي احتلتها تركيا 38٪ من أراضيها عام 1974 وإلى اليوم، أن تقاتل، وتهدر دماء عشرات الألوف من شعبها، وتختار أن تعيش في جحيم مزمن على مدار نصف قرن!! وممكن أن تختار أن تسلم، وتركز على الحاضر والآن، لتبني حضارة، شعب، واقتصاد، وتسلم أمرها للأزمنة والأوقات الإلهية؛ وهذا ما اختارته. فبقيت ناجحة سعيدة تعيش في سلام وخير.
إن الأرض هي للرب:
"29 فَقَالَ لَهُ مُوسَى: «عِنْدَ خُرُوجِي مِنَ الْمَدِينَةِ أَبْسِطُ يَدَيَّ إِلَى الرَّبِّ، فَتَنْقَطِعُ الرُّعُودُ وَلاَ يَكُونُ الْبَرَدُ أَيْضًا، لِكَيْ تَعْرِفَ أَنَّ لِلرَّبِّ الأَرْضَ." خروج 9.
"5 فَالآنَ إِنْ سَمِعْتُمْ لِصَوْتِي، وَحَفِظْتُمْ عَهْدِي تَكُونُونَ لِي خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. فَإِنَّ لِي كُلَّ الأَرْضِ." خروج 19.
"7 لأَنَّ اللهَ مَلِكُ الأَرْضِ كُلِّهَا، رَنِّمُوا قَصِيدَةً." مزمور 47.
"2 وَيَأْخُذُهُمْ شُعُوبٌ وَيَأْتُونَ بِهِمْ إِلَى مَوْضِعِهِمْ، وَيَمْتَلِكُهُمْ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ فِي أَرْضِ الرَّبِّ..." أشعياء 14.
"3 لاَ يَسْكُنُونَ فِي أَرْضِ الرَّبِّ، بَلْ يَرْجِعُ أَفْرَايِمُ إِلَى مِصْرَ، وَيَأْكُلُونَ النَّجِسَ فِي أَشُّورَ" هوشع 9.
"... نجستم أرضي.." إرميا 2: 7؛ "... لأنهم دنَّسوا أرضي.." إرميا 46: 18
"16 ... وَآتِي بِكَ عَلَى أَرْضِي لِكَيْ تَعْرِفَنِي الأُمَمُ، حِينَ أَتَقَدَّسُ فِيكَ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ يَا جُوجُ." حزقيال 36.
"1 لِلرَّبِّ الأَرْضُ وَمِلْؤُهَا. الْمَسْكُونَةُ، وَكُلُّ السَّاكِنِينَ فِيهَا" مزمور 24.
وهي آية شدد عليها العهد الجديد:
"26 لأَنَّ لِلرَّبِّ الأَرْضَ وَمِلأَهَا .... 28 .. لأَنَّ لِلرَّبِّ الأَرْضَ وَمِلأَهَا" 1 كورنثوس 10.
الرب يعطي الأرض لمن يشاء!!
"4 وَأَوْصِ الشَّعْبَ قَائِلاً: أَنْتُمْ مَارُّونَ بِتُخْمِ إِخْوَتِكُمْ بَنِي عِيسُو السَّاكِنِينَ فِي سِعِيرَ، فَيَخَافُونَ مِنْكُمْ فَاحْتَرِزُوا جِدًّا. 5 لاَ تَهْجِمُوا عَلَيْهِمْ، لأَنِّي لاَ أُعْطِيكُمْ مِنْ أَرْضِهِمْ وَلاَ وَطْأَةَ قَدَمٍ، لأَنِّي لِعِيسُو قَدْ أَعْطَيْتُ جَبَلَ سِعِيرَ مِيرَاثًا" تثنية 2.
نلاحظ هنا تحديد من الله دقيق للأرض المقدسة؛ ومنع شعب إسرائيل من أخذ وطأة قدم واحدة خارج عنها.
"5 إِنِّي أَنَا صَنَعْتُ الأَرْضَ وَالإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ الَّذِي عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ بِقُوَّتِي الْعَظِيمَةِ وَبِذِرَاعِي الْمَمْدُودَةِ وَأَعْطَيْتُهَا لِمَنْ حَسُنَ فِي عَيْنَيَّ 6 وَالآنَ قَدْ دَفَعْتُ كُلَّ هَذِهِ الأَرَاضِي لِيَدِ نَبُوخَذْنَصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ عَبْدِي وَأَعْطَيْتُهُ أَيْضاً حَيَوَانَ الْحَقْلِ لِيَخْدِمَهُ. 7 فَتَخْدِمُهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَابْنَهُ وَابْنَ ابْنِهِ حَتَّى يَأْتِيَ وَقْتُ أَرْضِهِ أَيْضاً فَتَسْتَخْدِمُهُ شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ وَمُلُوكٌ عِظَامٌ (وعلى فكرة، الوحي نفسه يصف نبوخذنصر أنه شرير، والله سيعاقبه على هذا الاحتلال!! لكنه حدث بإذن إلهي) 8 وَيَكُونُ أَنَّ الأُمَّةَ أَوِ الْمَمْلَكَةَ الَّتِي لاَ تَخْدِمُ نَبُوخَذْنَصَّرَ مَلِكَ بَابَلَ وَالَّتِي لاَ تَجْعَلُ عُنُقَهَا تَحْتَ نِيرِ مَلِكِ بَابَلَ إِنِّي أُعَاقِبُ تِلْكَ الأُمَّةَ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَإِ يَقُولُ الرَّبُّ حَتَّى أُفْنِيَهَا بِيَدِهِ (أي كل أمة ستقاوم الاحتلال البابلي، الله نفسه سيعاقبها!! كلمات قوية تؤكد رفض أي نوع من مقاومة) ... 11 وَالأُمَّةُ الَّتِي تُدْخِلُ عُنُقَهَا تَحْتَ نِيرِ مَلِكِ بَابِلَ وَتَخْدِمُهُ أَجْعَلُهَا تَسْتَقِرُّ فِي أَرْضِهَا يَقُولُ الرَّبُّ وَتَعْمَلُهَا وَتَسْكُنُ بِهَا" إرميا 27.
"32 وَيَطْرُدُونَكَ (حان وقت عقاب نبوخذنصر ملك بابل، نراه في هذه الآية) مِنْ بَيْنِ النَّاسِ وَتَكُونُ سُكْنَاكَ مَعَ حَيَوَانِ الْبَرِّ وَيُطْعِمُونَكَ الْعُشْبَ كَالثِّيرَانِ فَتَمْضِي عَلَيْكَ سَبْعَةُ أَزْمِنَةٍ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ الْعَلِيَّ مُتَسَلِّطٌ فِي مَمْلَكَةِ النَّاسِ (أمم ويهود) وَأَنَّهُ يُعْطِيهَا مَنْ يَشَاءُ." (دانيال 4؛ وأيضًا 17 و25)
"21 ...أن الله العلي سلطانٌ في مملكة الناس وأنَّه يقيم عليها من يشاء" دانيال 5.
"11.. لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ..." (يوحنا 19)
الكثير من المفكرين المسيحيين الفلسطينيين يحبون كثيرًا أن يركزوا على هذه النقطة. إن الأرض للرب وليس لليهود؛ لكن عندما عادة تبدأ الأسئلة بعد المحاضرة معينة عن الموضوع، سرعان ما تكتشف أن الأرض للفلسطينيين!!! في الحقيقة إن الاثنين واردين، الملك المُطلق لله، لكن الله يُوَكِّل الأرض لشعب معين، في فترة زمنية معينة. الواحد لا يبطل الآخر.
المُلك المطلق: وهو أنه لله المُلك المطلق لكل شيء: "1 للرب الأرض ومِلؤها، المسكونةُ والساكنين فيها." (مز 24). فبحسب هذه الآية سيارتي وبيتي هما ملك الرب أيضًا. لكن بنفس الوقت، الله وكَّلني على سيارتي وبيتي في هذا الوقت من التاريخ وهذا يقودنا إلى الأمر الثاني.
المُلك المُوَكَّل: وهو أن الله المالك لكل شيء، يستأمن الأرض أو المقتنيات بأيدي البشر والحكومات في وقت معين من التاريخ. وذلك بناءً على إرادته وسماحه وخططه الصالحة من جهة ملكوته الأبدي.
إذا قول الوحي أعلاه من أول آية في المقال: "وَحَتَمَ بِالأَوْقَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَبِحُدُودِ مَسْكَنِهِمْ" (أعمال 17: 26)، تؤكد أن الله يبده توزيع الشعوب ووضع حدود لها. وهو يوكِّل الأرض لمن يشاء؛ أي له الكلمة الأخيرة في هذه القضية.
لكن جميع ما سبق، يواجهنا مع سؤال صعب جدًا:
كيف أكون مؤمن بالمسيح وأغض عيني عن الظلم الذي يُواجهه الفلسطينيون؟
كما قلنا في المحاضرة السابقة، يجب أن ننادي ونطالب إسرائيل بإنصاف الفلسطينيين. فهناك لغة مشتركة بيننا وبين اليهود من خلال العهد القديم. مثل قانون معاملة الغريب في شريعة موسى، أي بالتساوي والإكرام:
"33 «وَإِذَا نَزَلَ عِنْدَكَ غَرِيبٌ (إذا سكن في وسطكم ابن الأرض، لكن ذات ديانة أخرى) فِي أَرْضِكُمْ فَلاَ تَظْلِمُوهُ. 34 كَالْوَطَنِيِّ مِنْكُمْ يَكُونُ (تعاملونه بالمساواة التامة) لَكُمُ الْغَرِيبُ النَّازِلُ عِنْدَكُمْ، وَتُحِبُّهُ كَنَفْسِكَ (بل بأقصى درجات الاحترام والوقار – تحبه كنفسك)، لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي أَرْضِ مِصْرَ (من هذه العبارة، نكتشف أن بدعة حاخامات اليهود، في تفسيرهم الحالي، أن الغريب في الآية يعني شخص أممي تَهَوَّد، هو بدعة كاذبة. وذلك من العبارة السابقة، لأن اليهود لم يكونوا على ديانة المصريين في مصر!). أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ." لاويين 19.
وهناك تحذيرات إلهية من ظلم الغريب/ الفلسطيني:
"17 لاَ تُعَوِّجْ حُكْمَ الْغَرِيبِ وَالْيَتِيمِ، وَلاَ تَسْتَرْهِنْ ثَوْبَ الأَرْمَلَةِ" تثنية 24
"19 مَلْعُونٌ مَنْ يُعَوِّجُ حَقَّ الْغَرِيبِ وَالْيَتِيمِ وَالأَرْمَلَةِ. وَيَقُولُ جَمِيعُ الشَّعْبِ: آمِينَ" تثنية 27
"3 حَتَّى مَتَى الْخُطَاةُ يَا رَبُّ، حَتَّى مَتَى الْخُطَاةُ يَشْمَتُونَ؟ 4 يَسْحَقُونَ شَعْبَكَ يَارَبُّ، وَيُذِلُّونَ مِيرَاثَكَ... 6 يَقْتُلُونَ الأَرْمَلَةَ وَالْغَرِيبَ، وَيُمِيتُونَ الْيَتِيمَ 7 وَيَقُولُونَ: «الرَّبُّ لاَ يُبْصِرُ، وَإِلهُ يَعْقُوبَ لاَ يُلاَحِظُ»." مزمور 94
"3 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: أَجْرُوا حَقًّا وَعَدْلاً، وَأَنْقِذُوا الْمَغْصُوبَ مِنْ يَدِ الظَّالِمِ، وَالْغَرِيبَ وَالْيَتِيمَ وَالأَرْمَلَةَ. لاَ تَضْطَهِدُوا وَلاَ تَظْلِمُوا، وَلاَ تَسْفِكُوا دَمًا زَكِيًّا فِي هذَا الْمَوْضِعِ" إرميا 22
"7 فِيكِ أَهَانُوا أَبًا وَأُمًّا. فِي وَسْطِكِ عَامَلُوا الْغَرِيبَ بِالظُّلْمِ. فِيكِ اضْطَهَدُوا الْيَتِيمَ وَالأَرْمَلَةَ" حزقيال 22
"10 وَلاَ تَظْلِمُوا الأَرْمَلَةَ وَلاَ الْيَتِيمَ وَلاَ الْغَرِيبَ وَلاَ الْفَقِيرَ، وَلاَ يُفَكِّرْ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَرًّا عَلَى أَخِيهِ فِي قَلْبِكُمْ" زكريا 7
ويجب معاملة الفلسطيني بالمساواة والمحبة، بثلاثة جوانب:
ساويه بأفراحك:
"14 وَتَفْرَحُ فِي عِيدِكَ أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَاللاََّوِيُّ وَالْغَرِيبُ وَالْيَتِيمُ وَالأَرْمَلَةُ الَّذِينَ فِي أَبْوَابِكَ" تثنية 16.
"11 وَتَفْرَحُ بِجَمِيعِ الْخَيْرِ الَّذِي أَعْطَاهُ الرَّبُّ إِلهُكَ لَكَ وَلِبَيْتِكَ، أَنْتَ وَاللاَّوِيُّ وَالْغَرِيبُ الَّذِي فِي وَسْطِكَ" تثنية 26.
ساويه بأحكامك:
"26 لكِنْ تَحْفَظُونَ أَنْتُمْ فَرَائِضِي وَأَحْكَامِي، وَلاَ تَعْمَلُونَ شَيْئًا مِنْ جَمِيعِ هذِهِ الرَّجَسَاتِ، لاَ الْوَطَنِيُّ وَلاَ الْغَرِيبُ النَّازِلُ فِي وَسَطِكُمْ" لاويين 18
ساويه ببركاتك:
"12 مَتَى فَرَغْتَ مِنْ تَعْشِيرِ كُلِّ عُشُورِ مَحْصُولِكَ، فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، سَنَةِ الْعُشُورِ، وَأَعْطَيْتَ اللاَّوِيَّ وَالْغَرِيبَ وَالْيَتِيمَ وَالأَرْمَلَةَ فَأَكَلُوا فِي أَبْوَابِكَ وَشَبِعُوا" تثنية 26
وفي نهاية الأمر، الله يضع امتحان لشعبه، هل سلوكه حسن أم لا، في فلسفة صاعقة! وهي إذا مدحه الغريب! هذا يعني حقيقة أنه شعب صالح، بكل معنى الكلمة. وفي نفس الوقت ينهاه نهيًا تامًا عن مدح ذاته (وهي رذيلة لأصحاب الثقافات الباطلة):
"2 لِيَمْدَحْكَ الْغَرِيبُ لاَ فَمُكَ، الأَجْنَبِيُّ لاَ شَفَتَاكَ" أمثال 27
فتصور إذا وضعنا هذا التحدي لليهودي في الأرض، فنقول له: "ليمدحك الفلسطيني لا فمك"، عندما تصل لمستوى فيه يمدحك الفلسطيني، ويقول لك أريد أن اسكن معك، ولا أريد أن أسكن تحت أي نظام آخر غيرك، تعرف أنك نجحت في امتحان الرب العظيم، الذي نتمنى أن تقدسه!!
والله يحذر شعبه، إذا ظلم الفلسطيني، سيجعل الله الفلسطيني يستعلي عليه ويحاربه!!!
"15 وَلكِنْ إِنْ لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْرِصَ أَنْ تَعْمَلَ بِجَمِيعِ وَصَايَاهُ وَفَرَائِضِهِ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ، تَأْتِي عَلَيْكَ جَمِيعُ هذِهِ اللَّعَنَاتِ وَتُدْرِكُكَ: 16 مَلْعُونًا تَكُونُ فِي الْمَدِينَةِ وَمَلْعُونًا تَكُونُ فِي الْحَقْلِ... (قائمة كبيرة من اللعنات، منها) 43 اَلْغَرِيبُ الَّذِي فِي وَسَطِكَ يَسْتَعْلِي عَلَيْكَ مُتَصَاعِدًا (أي يثور عليك الفلسطيني!!)، وَأَنْتَ تَنْحَطُّ مُتَنَازِلاً" تثنية 28.
إذا في النهاية، لنا ككنيسة رسالة حيوية لليهود في الأرض المقدسة، بسبب اللغة المشتركة للعهد القديم التي بيننا وبينهم. ويجب أن نتذكر أنه ليس للكنيسة الحق أن تقاوم أو ترفض (1) قلبيًا (2) سلميًا (3) فعليًا، حكم مَنْ يحكم البلد؛ لأن قضية من يحكم أرض معينة هي فقط تحت سلطان الله وحده؛ فلا يجوز لنا ككنسية أن نتدخل فيها. الله يعلم من الأفضل في حكم أرض معينة، بحسب معايير خطته من جهة ملكوته الأبدي الصالح للجميع. نحن لا نقف مع شعب، نقف مع الله ومواقفه الأخلاقية المُعلنة في وحيه.
فممكن أن نسعى ككنيسة ونلعب دور الوسيط لحث إسرائيل بأن تنصف الفلسطينيين، تعامله بالمساواة، تحبه كنفسها؛ كما رأينا، بحسب شريعة الغريب. لكن دون أن نطالب إسرائيل بإرجاع الأرض، بل نترك هذه القضية تحت سلطان الله.
القدس - 21/ 05/ 2-25
باسم أدرنلي