لا نقف مع أي طرف من المتنازعين
كثيرًا ما يجبرك المجتمع والسياسة والضغوطات التي أنت فيها، على أخذ أطراف في النزاعات السياسية والاجتماعية. وهذا شيء مرفوض كتابيًا لكل من يتمثل بيسوع المسيح.
كما تعلمنا أنه في قضية العدل، أن نأخذ طرف الله وحده. كذلك في كل القضايا، نحن نأخذ طرف الله، الذي لا يأخذ أطراف في أي نزاع.
فالله ليس مع اليهود ضد الفلسطينيين، وليس مع الفلسطينيين ضد اليهود. وليس مع أي مجموعة عرقية أو دينية ضد الأخرى. الله هو الله، هو ليس مع أي أحد؛ بل يطلب توبة وعودة جميع الأطراف إليه، على يد ممثله على الأرض – الكنيسة.
فكثيرًا ما يظن الإنسان المحدود أن قضايا النزاعات، هي قضايا بسيطة! بل هي أعقد من أي خيال بشري، وفقط الله الخالق الذي يقدر أن يبت فيها، لأنه خالقنا وهو سيديننا.
إذا ألله لا يقف مع البشر، بل يدعو البشر لتبعيته والوقوف معه:
بعدما دعا الله شعبه لدخول الأرض المقدسة، وهم على أبوابها. وفي هذه المرحلة، الله يريد أن يستخدم شعب إسرائيل لكي يؤدب الشعوب الوثنية في أرض كنعان. دعنا نرى ماذا حدث في هذا النص:
"13 وَحَدَثَ لَمَّا كَانَ يَشُوعُ عِنْدَ أَرِيحَا أَنَّهُ رَفَعَ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ، وَإِذَا بِرَجُل وَاقِفٍ قُبَالَتَهُ، وَسَيْفُهُ مَسْلُولٌ بِيَدِهِ. فَسَارَ يَشُوعُ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: «هَلْ لَنَا أَنْتَ أَوْ لأَعدَائِنَا؟» 14 فَقَالَ: «كَلاَّ، بَلْ أَنَا رَئِيسُ جُنْدِ الرَّبِّ. الآنَ أَتَيْتُ» (לֹא, כִּי אֲנִי שַׂר-צְבָא-יְהוָה؛ الترجمة الأدق، "كلا لأني رئيس جند الرب"). فَسَقَطَ يَشُوعُ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ وَسَجَدَ، وَقَالَ لَهُ: «بِمَاذَا يُكَلِّمُ سَيِّدِي عَبْدَهُ؟»" يشوع 5.
هذه الآيات صادمة بكل معنى الكلمة! شعب إسرائيل الذي دعاه الله ليدخل الأرض المقدسة، وأعلن أنه سيستخدمه لإجراء قضاء وعقاب لشعوب أرض كنعان، بسبب رجاساتهم. مع هذا، ملاك الرب يقول ليشوع، أنه ليس معهم ولا عليهم، "لأنه" رئيس جند الرب!!
وحتى عندما نرى آيات تخبرنا أن "الله معنا"، مثل:
"10 تَشَاوَرُوا مَشُورَةً فَتَبْطُلَ. تَكَلَّمُوا كَلِمَةً فَلاَ تَقُومُ، لأَنَّ اللهَ مَعَنَا." أشعياء 8
(وغيرها كثير: تكوين 21: 22 وخروج 18: 19 وتثنية 20: 4 و1 صموئيل 10: 7 و1 أخبار 7: 2 وزكريا 8: 23 ...)
جميعها، لا تعني أن الله واقف معنا كما يفهمها البعض، بل تفسَّر بـ:
"2.. الرَّبُّ مَعَكُمْ مَا كُنْتُمْ مَعَهُ، وَإِنْ طَلَبْتُمُوهُ يُوجَدْ لَكُمْ، وَإِنْ تَرَكْتُمُوهُ يَتْرُكْكُمْ" 2 أخبار 15
مصطلح وقوف الله مع الإنسان، له جانبين، الحق والرحمة:
موقف الحق - القضاء:
الله يحامي عن المؤمن السالك بالحق؛ فالله وحده له الحق أن يقف "مع" أو "ضد" الإنسان الخاطئ قضائيًا. وبالتحديد، المسيح وحده الذي بيده الحكم بالحق في إطار الدينونة والقضاء (ممنوع أن نتخذ موقف "الحكم بالحق" كبشر إطلاقًا). لذلك آيات في العهد القديم الذي الله يدعو فيها شعبه للحكم بالعدل؛ الكلمة الواردة فيها هي "משפט مشبات". تتكلم عن القضاء في إطار حكم محكمة، التي كان الله مشرف عليها شخصيًا في ظل الحكم الثيوقراطي (حكم الله المباشر على الأنسان)؛ وكان القضاة يحكمون بوحي إلهي. لأن الله أخذ من الروح التي على موسى وملأهم بها (العدد 11: 25). لذلك تكررت هذه الكلمة في العهد الجديد فقط ثلاث مرات؛ ووردت فقط في سياق دينونة الله للإنسان. فهي كلمة لا تتبع لنا في هذا العصر أبدًا، بل تخص المسيح والله فقط.
موقف الرحمة والنعمة:
الله يقف مع المسكين والمُستضعف، لأنه حنان، رحيم، مُحب، ومُنعم. وهنا نحن مدعوين أن نقف مع المساكين وقوف إنساني، دون أن نحكم أنه مظلوم، وأن ننشغل بأي طرف مظلوم وأي طرف ظالم.
فعندما يستمر الإنسان في الخطأ، يبتدئ باختبار الله كقاضٍ يحكم ضده؛ سواء مؤمن كان أم غير مؤمن.
"6 لاَ يَغُرَّكُمْ أَحَدٌ بِكَلاَمٍ بَاطِل، لأَنَّهُ بِسَبَبِ هذِهِ الأُمُورِ يَأْتِي غَضَبُ اللهِ عَلَى أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ. 7 فَلاَ تَكُونُوا شُرَكَاءَهُمْ (أي يا مؤمن، لا تكون شركاء الخطاة في الغضب الأرضي!)" أفسس 5.
"25 كُنْ مُرَاضِيًا لِخَصْمِكَ سَرِيعًا مَا دُمْتَ مَعَهُ فِي الطَّرِيقِ، لِئَلاَّ يُسَلِّمَكَ الْخَصْمُ إِلَى الْقَاضِي، وَيُسَلِّمَكَ الْقَاضِي إِلَى الشُّرَطِيِّ، فَتُلْقَى فِي السِّجْنِ 26 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: لاَ تَخْرُجُ مِنْ هُنَاكَ حَتَّى تُوفِيَ الْفَلْسَ الأَخِيرَ!" متى 5.
هنا الله في الآيات، يتكلم عن مؤمنين؛ ممكن أن يختبروا غضب الله ودينونته الأرضية، بسبب الخطية والتمرد: "فَلاَ تَكُونُوا شُرَكَاءَهُمْ" و "وَيُسَلِّمَكَ الْقَاضِي إِلَى الشُّرَطِيِّ"! فيصبح الله كأنه ضد المؤمن في القضاء؛ لأنه قاضٍ عادل أيضًا. لكن في النهاية، الله يحب المؤمن؛ لذلك يؤدبه، ليطهره ويقدسه ويغيِّر حياته (عبرانيين 12: 6-7).
وهذا الفهم الروحي السليم، يحمي الكنيسة من عدة مشاكل:
أولا، ألا تنجر وراء فساد "المظلوم":
عندما تأخذ الكنيسة طرف "المظلوم" من ناحية حق وحكم، ستنجر وراءه بكافة أخطائه ومشاكله! فالله يؤكد أنه ليس إنسان على حق مئة بالمئة:
"2 وَلاَ تَدْخُلْ فِي الْمُحَاكَمَةِ مَعَ عَبْدِكَ، فَإِنَّهُ لَنْ يَتَبَرَّرَ قُدَّامَكَ حَيٌّ" مزمور 143.
فبالنسبة لله، جميع البشر خطاة ومكانهم هو قفص الاتهام؛ فلا يوجد ظالم ومظلوم كما نرى الأمور كبشر! خاصة عندما نتكلم عن نزاع شعوب يشمل ملايين من الناس، استمر لأكثر من 100 عام، كالصراع بين الشعب الفلسطيني واليهودي. فاعتبار أن الشعب الفلسطيني مظلوم 100% والإسرائيلي ظالم 100% هو جنون خالص وضلال مُخزي لاسم المسيح.
لذلك وقوف الكنيسة في طرف "المظلوم"؛ سيجعلها في معظم الأحيان، تساوم على الحق وتتغاضى عن الأمور الخطأ التي يرتكبها "المظلوم"!
"15 مُبَرِّئُ الْمُذْنِبَ وَمُذَنِّبُ الْبَرِيءَ كِلاَهُمَا مَكْرَهَةُ الرَّبِّ" الأمثال 17.
تصور ماذا تقول الآية؛ عندما شعبنا يرتكب جرائم، ونبرءه ونلتمس له الأعذار؛ في عيون الله هي مثل ابتلاء لشخص بريء بتهمة لم يرتكبها!! شيء فظيع في عيون الله.
فالمسيح دافع عن المرأة التي أمسكت في زنا، لأن منظومة الحكم الديني التي وُضعت فيه المرأة مغلوط تمامًا وظالمة. لكن في نفس الوقت، وبخها على خطيتها، قائلا: "اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا" (يوحنا 8: 11).
ثانيًا، لكي لا تقع الكنيسة في فخ دينونة "الظالم" أيضًا:
عندما تحكم الكنيسة على الظالم بأنه ظالم 100%، ستدين الطرف "الظالم" وتبرر الطرف "المظلوم"؛ فهل لنا السلطان أن ندين ونبرئ!!؟؟
"1 «لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا، 2 لأَنَّكُمْ بِالدَّيْنُونَةِ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ تُدَانُونَ، وَبِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ" متى 7.
ففي معظم النزاعات القضايا ليست جازمة، أحد صح والثاني خطأ. أي أن المظلوم عادة لا يكون مظلومًا مئة بالمئة، والظالم لا يكون ظالمًا مئة بالمئة!! فكيف حتى منطقيًا نقدر أن نأخذ صف المظلوم من ناحية قضائية إذًا؟؟
يتكلم المسيحيون اللبراليون كل الوقت على دور الأنبياء في العهد القديم مع القيادة الحاكمة (مع أنهم يرفضون أجزاء كثيرة من سلطة العهد القديم!!).
لقد وجه الأنبياء كل رسالة نقد لقيادات شعبهم، المفترض أن يكون شعب الرب وسائرة على شريعته!! لكن لم يفعل هذا عندما عاش تحت قيادة أخرى، مثل احتلال الحكم الأشوري، البابلي، المادي أو الفارسي. أي أن نموذج الأنبياء الذين يواجهوا شعب الرب، هو نموذج غير متوافق مع عالمنا اليوم. هناك نموذج آخر في الكتاب المقدس، وهو مؤمنين يعيشون في دولة وثنية وبعيدة عن أخلاقياتهم ووحيهم وشريعتهم، مثل: عزرا، نحميا، حزقيال، دانيال، حننيا، ميشائيل، عزريا، أستير، مردخاي، يسوع، بولس، التلاميذ...إلخ. هذا النموذج الأقرب لعالمنا اليوم الذي ليس فيه أي دولة أخلاقية ومنسجمة مع قيم الكتاب المقدس.
لذلك الطريق الآمن الوحيد للمؤمن والكنيسة هو أن نقف مع الموقف الإلهي، وهذا يعني أننا يجب أن نحكم على العمل وليس على عامِل العمل:
"11 وَلاَ تَشْتَرِكُوا فِي أَعْمَالِ الظُّلْمَةِ غَيْرِ الْمُثْمِرَةِ بَلْ بِالْحَرِيِّ وَبِّخُوهَا (أي وبخوا العمل، وليس الجهة التي عملته)" أفسس 5.
ثالثًا، لكي لا تخسر الطرف الآخر "الظالم":
أخذ الكنيسة طرف "المظلوم" سيجعل الكنيسة تخسر الطرف الآخر (الظالم بحسب ما تظن)، الذي نحن مدعوون لأن نحاول رده أيضًا عن خطأه، لأن الله يحبه.
الكنيسة مدعوة أن تأخذ طرف الرب وحده؛ وهذا يعني أنها يجب أن تنوح مع المتألم، وتحثه بأن يتكل على الرب ويؤمن به (إن لم يؤمن به بعد). وأيضًا تبني جسورًا مع الطرف الآخر، وتدعوه لأن يراجع طرقه، ويؤمن بالرب وينصف من ظلمه. بكلمات أخرى، أخذ الكنيسة طرف الله يعني، أن تلعب دور الوسيط الصالح، أي المسيح الذي نحن مدعوين لأن نكون سفراء عنه، للتصالح الحقيقي. وهو التصالح مع الله أولا، ومن ثم التصالح مع بعضنا البعض كنتيجة للتصالح الأول (1 تيموثاوس 2: 5 و2 كورنثوس 5: 20). وإذا لم يرد أي طرف التصالح مع الله، ندعو الطرفين لقيم كتابية، المسامحة، التنازل، الحلول السلمية... إلخ. ولا يجوز حتى ندنس كلمة "عدل"، باستبدال مفهوم عدالة الوحي الإلهي بعدالة العالم الساقط! لأننا نعرف أن "العدل" بحسب منظومة العالم الشرير، هو ليس عدل بعيون الله! كما قلنا سابقًا، نعرف هذا من الطريقة التي وصف بها الوحي نظام محاكم وقانون العالم "الظالمين"!
"1 أَيَتَجَاسَرُ مِنْكُمْ أَحَدٌ لَهُ دَعْوَى عَلَى آخَرَ أَنْ يُحَاكَمَ عِنْدَ الظَّالِمِينَ (محاكم العالم!)، وَلَيْسَ عِنْدَ الْقِدِّيسِينَ؟" 1 كورنثوس 6.
وهذا ينطبق على الحالة الاجتماعية أيضًا، لا نقف مع الأقارب وقفة حكم:
فلا نقف مع أسرنا وأقاربنا وقوفًا الحكم أيضًا، بل وقوف إنساني:
يجب أن ننبذ فلسفة: "أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب." أما الحكم، هو على العمل لكلا الطرفين. فإذا أخي أخطأ مع الجار مثلا؛ أقول له، أخطأت في هذا وذاك.
"37 مَنْ أَحَبَّ أَبًا أَوْ أُمًّا أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ أَحَبَّ ابْنًا أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي" متى 10.
"48 فَأَجَابَ وَقَالَ لِلْقَائِلِ لَهُ: «مَنْ هِيَ أُمِّي وَمَنْ هُمْ إِخْوَتي؟»... 50 لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي»" متى 12.
في هذه الآيات، المسيح ينسف جذريًا قضية مناصرة الأقرباء بشكل صارم وقاطع. حيث يدعونا لإداك، أن أخوتنا واهلنا بعد الإيمان، لهم مفهوم آخر؛ نعم نحسن لأقربائنا، لأن الله وكلنا بهم. أما أخوة الإيمان، فهم عائلتنا الحقيقية الأبدية؛ وليس أهلنا الأرضيين، المؤقتين؛ كما بين المسيح لنا في هذا النص:
"47 فَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ: «هُوَذَا أُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ وَاقِفُونَ خَارِجًا طَالِبِينَ أَنْ يُكَلِّمُوكَ». 48 فَأَجَابَ وَقَالَ لِلْقَائِلِ لَهُ: «مَنْ هِيَ أُمِّي وَمَنْ هُمْ إِخْوَتي؟» 49 ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ نَحْوَ تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ: «هَا أُمِّي وَإِخْوَتي. 50 لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي»." متى 12
"16 إِذًا نَحْنُ مِنَ الآنَ لاَ نَعْرِفُ أَحَدًا حَسَبَ الْجَسَدِ. وَإِنْ كُنَّا قَدْ عَرَفْنَا الْمَسِيحَ حَسَبَ الْجَسَدِ، لكِنِ الآنَ لاَ نَعْرِفُهُ بَعْدُ" 2 كورنثوس 5.
إذا في الخلاصة أقول:
* ممنوع أخذ أطراف في أي نزاع، من جهة الحكم على أي منهما؛ لأن الحكم فقط للرب.
* لا يوجد ظالم ومظلوم بمعنى قاطع في عالمنا، لذلك نحن مدعوين لأن نلعب دور الوسيط بين الطرفين المتنازعين.
* نحتاج أن نأخذ موقف الله، الذي يطلب توبة الطرفين ورجوعهم إليه.
* نأخذ مواقف كتابية، فنروج أخلاقيات الله، نوبخ الأعمال الأثيمة للطرفين؛ وليس للشخص أو الهيئة التي تفعله.
* حتى في النزاعات الاجتماعية، لا نقف مع أقربائنا وقفة حكم؛ بل نقف معهم وقوف إنساني، بسبب مسؤوليتنا العائلية نحوهم.
القدس - 18/ 05/ 2025
باسم أدرنلي