ممنوع للكنيسة أخذ موافق سياسية
في هذا المقال سندرس أن الكنيسة قدسها المسيح "لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ" (أفسس 5: 27). فلا يجوز أن تدنس الكنيسة نفسها بسياسات هذا العالم الساقط وسياسييه بكل فسادهم. لكن قبل أن ندخل في الموضوع، نحتاج أن نُعَرِّف ما هي السياسة.
تعريف السياسة: عمل الحكومة، وأعضاء ومؤسسات صانعي القرار، أو الأشخاص الذين يؤثرون على الطريقة التي بها تُحكم الدولة (قاموس أكسفورد).
و[https://dictionary.cambridge.org/dictionary/english/politics]
أو: علم حكم الدولة، ومنهجية تعامل الحكومات مع شعوبها ومع دول أخرى (باسم أدرنلي).
إذا أخذنا تعريف قاموس أكسفورد، نتواجه مع هذا السؤال:
هل تريد الكنيسة أن تشترك في الطريقة التي تُحكم بها الدولة (السياسة)؟
وهنا أيضًا، نحتاج أن نحدد الفرق بين قولنا "الكنيسة"، كمؤسسة أقامها المسيح، وبين قولنا "المؤمن بالمسيح" كفرد.
الفرق بين الكنيسة المحلية والمؤمن كفرد؛ هو أن الكنيسة المحلية هي عمود الحق وقاعدته في المجتمعات:
"15 وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ أُبْطِئُ، فَلِكَيْ تَعْلَمَ كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي بَيْتِ اللهِ، الَّذِي هُوَ كَنِيسَةُ اللهِ الْحَيِّ، عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ" 1 تيموثاوس 3
لذلك دورها هو أن تخدم المؤمن الذي يقبل ملكوت الله على حياته عن طريق تبعيته للمسيح؛ من خلال مساعدته لإقامة علاقة صحية مع الله. وإذا كانت علاقته صحية مع الله فعلا، يجب أن تنتج في حياته أربع علاقات صحية:
(1) علاقة صحية مع نفسه.
(2) علاقة صحية مع عائلاته.
(3) علاقة صحية مع كنيسته المحلية.
(4) علاقة صحية مع المجتمع، من خلال مواطنة صالحة.
فإذا كان هناك خلل في أحد جوانب هذه العلاقات الأربعة، يكون هناك جزء فيه خلل في علاقته مع الله.
والمنتوج النهائي لخدمة الكنيسة، هو مؤمن كامل في استعداده، وجاهز لأي عمل صالح يضعه أمامه الرب، في المكان الذي يضعه فيه، لامتداد ملكوته:
"16 كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، 17 لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِح" 2 تيموثاوس 3: 17.
بكلمات أخرى، دور الكنيسة هو بناء مؤمنين مؤهلين للعمل الصالح؛ يعيشون حياتهم بما يحق للإنجيل، ويأخذون قرارات حكيمة مطيعة للرب، بحسب الدعوة والمكان الذي يضعهم به الرب. لننتبه للآية الآتية، لكي نفهم الفرق بين دعوة الكنيسة كمؤسسة وضعها المسيح، وبين دعوة المؤمن كفرد:
"22 أَيُّهَا الْعَبِيدُ، أَطِيعُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ سَادَتَكُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ، لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ، بَلْ بِبَسَاطَةِ الْقَلْبِ، خَائِفِينَ الرَّبَّ... 24 عَالِمِينَ أَنَّكُمْ مِنَ الرَّبِّ سَتَأْخُذُونَ جَزَاءَ الْمِيرَاثِ، لأَنَّكُمْ تَخْدِمُونَ الرَّبَّ الْمَسِيحَ" كولوسي 3.
فبناء على الآية السابقة، أي شخص مؤمن يعمل في مكان أو مصلحة تجارية؛ يخدم الرب المسيح في ذلك المكان. فإذا كنت تعمل في مطعم مثلا، وتشعر أن هذا المكان الذي وضعك به الرب؛ أنت تخدم المسيح في ذلك المكان. لكن هل هذا يعني أن الكنيسة دعوتها عمل مطاعم؟ بالطبع لا، بل هذه تكون دعوة فردية للمؤمن. لأنه مكتوب عن الله: "لَمْ يَتْرُكْ نَفْسَهُ بِلاَ شَاهِدٍ" (أعمال الرسل 14: 17)، في كل مكان يضع الرب له شهودًا. هناك شهود للرب: في الوسط السياسي، الدوائر الحكومية، الجيش، المؤسسات، المستشفيات، المدارس، السوق...إلخ. لكن جميع ما سبق، هو ليس دعوة الكنيسة كمؤسسة؛ دعوة الكنيسة هي تجهيز مؤمن بعلاقة صحية مع المسيح، تجعله مستعد لخدمته في أي مكان يضعه فيه.
لذلك ليس مقبولاً للكنيسة أن تأخذ أي مواقف سياسية، بل موافق تروج أخلاقيات كتابية ملكوتية. وبالتالي ممنوع للكنيسة كمؤسسة رسمية، أن تؤيد أي حزب أو حركة سياسية معينة أو تعلن تأييدها لمرشح معين...إلخ؛ وذلك للأسباب التالية:
أولا، الأحزاب السياسية من العالم الشرير:
"19 نَعْلَمُ أَنَّنَا نَحْنُ مِنَ اللهِ، وَالْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِ" 1 يوحنا 5.
فلا يوجد أي حزب سياسي مقدس وكامل كتابيًا في عالمنا الشرير!!! وأحيانًا الحركة السياسية أو الحزب تجد عنده بعض القيم والمواقف الصحيحة كتابيًا؛ لكن في معظم الأحيان، ستجد عنده أيضًا أشياء ضد الكتاب. سواء في مبادئه أم في تعاملاته السياسية الداخلية والخارجية، والأخلاقية. فعندما تؤيد الكنيسة موقف سياسي معيَّن، أو حكومة أو رئيس سياسي، ستضطر أن توافقه على كل شيء، مما سيجعلها تساوم على الحق الكتابي!!
كما حدث مع بعض الكنائس في أمريكا في تأييدهم الكامل لجورج بوش في الماضي ودونالد ترامب من حزب المحافظين؛ أو توَحُّد الكثير من المسيحيين مثلا بالحركة الصهيونية التي عندها أشياء تتضارب مع قيم الكتاب المقدس!! أو توحد كنائس مع أحزاب فلسطينية أو عربية تجعلها تختم على كل عمل صالح وغير صالح يعمله الفلسطينيون... إلخ. فالكنيسة كجسد يجب أن تأخذ موقف الله وحده، ومواقف كتابية أخلاقية فقط؛ تمدح العمل الصالح وتوبخ الخاطئ، بغض النظر مَنْ يعمله.
ثانيًا، نحن لا نتبع لنظام العالم:
نحتاج أن ندرك أننا مواطنين في مملكة أزلية سماوية وليس أرضية:
"20 فَإِنَّ سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي السَّمَاوَاتِ، الَّتِي مِنْهَا أَيْضًا نَنْتَظِرُ مُخَلِّصًا هُوَ الرَّبُّ يَسُوعُ الْمَسِيحُ،" فيليبي 3.
"سيرتنا" "πολίτευμα politeuma" تعني مواطنتنا. وأيضًا:
"14 لأَنْ لَيْسَ لَنَا هُنَا مَدِينَةٌ بَاقِيَةٌ، لكِنَّنَا نَطْلُبُ الْعَتِيدَةَ" العبرانيين 13.
إخلاصنا يجب أن يكون لها وحدها، وأي شيء ثاني يأتي ليس بشكل موازي لها، بل من خلالها فقط:
"33 لكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ" متى 6.
"14 أَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمْ كَلاَمَكَ، وَالْعَالَمُ أَبْغَضَهُمْ لأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنَ الْعَالَمِ، كَمَا أَنِّي أَنَا لَسْتُ مِنَ الْعَالَمِ، 15 لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ الْعَالَمِ بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ" يوحنا 17.
لأن كل نظام العالم، مؤسس على مبادئ فاسدة، ولا يلبي معايير الله. خاصة ما يسميه العالم بـ"عدل"، هو ليس عدل بالنسبة لله؛ لذلك قال الله عن العدل الإلهي:
"9.. لأَنَّهُ حِينَمَا تَكُونُ أَحْكَامُكَ فِي الأَرْضِ يَتَعَلَّمُ سُكَّانُ الْمَسْكُونَةِ الْعَدْلَ" أشعياء 26.
لا يمكن أن يعرف الإنسان العدل، وهو رافض إله العدل نفسه؛ يهوه الله، ويسوع المسيح ربنا الوحيد.
ثالثًا، تأييد الكنيسة لمرشح معين، سيقيد الإرادة الحرة للمؤمن:
إن تأييد أو دعم الكنيسة لأحزاب ومواقف سياسية معينة أو مرشحين معينين، سينتهك الإرادة الحرة الفردية لأفراد الرعية الموهوبة لهم من الله!! مثل قرار المنع الكنسي لمؤمنين من دولة معينة، من زيارة الأراضي المقدسة في ظل حكم إسرائيل وغيره. أو دعوة الكنيسة أن تنتخب دونالد ترامب في أمريكا؛ وهو أيضًا منافي لدعوة الكنيسة. الكنيسة يجب أن تعلم رعاياهم بأي معايير كتابية صائبة يجب أن ينتخبوا (كالمقال القادم)؛ لكي يأخذوا بأنفسهم القرار الصائب معتمدين على قيادة الروح القدس؛ وليس تلقينهم من ينتخبوا، لأن هذا نهج وثني وليس كتابي!
القدس - 16/ 05/ 2025
باسم أدرنلي