كيف ينتخب المؤمن كفرد، وبحسب أي معايير
المؤمن ممكن أن ينتخب حزب أو رئيس
كما قلنا سابقًا، الكنيسة المحلية تخدم المؤمن من خلال مساعدته لإقامة علاقة صحية مع الله؛ والتي إذا كانت صحية فعلا، يجب أن تنتج في حياته:
(1) علاقة صحية مع نفسه.
(2) علاقة صحية مع عائلاته.
(3) علاقة صحية مع كنيسته المحلية.
(4) علاقة صحية مع المجتمع ومواطنة صالحة.
كما أيضًا قلنا هدف الكنيسة تجاه المؤمن بالتحديد، هو:
"17 لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِح" 2 تيموثاوس 3: 17.
لذلك سنركز على النقطة الرابعة، وهو أن يكون المؤمن كفرد، إنسان صالح ومتأهب لكل عمل صالح. وأحد أهم هذه الصفات هو أن تكون له علاقة صحية مع المجتمع والدولة، كمواطن صالح. لذلك المؤمن كفرد، ممكن أن ينتخب مرشح أو حزب معين، وذلك بحسب المعايير التالية:
أولاً، ننتخب الأخف شرًا وضررًا:
كما رأينا إلى الآن، العالم ليس فاسدًا فحسب، بل بحسب الوحي، في أشد مستويات الفساد:
"10 كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ. 11 لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ. لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ اللهَ. 12 الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ. 13 حَنْجَرَتُهُمْ قَبْرٌ مَفْتُوحٌ. بِأَلْسِنَتِهِمْ قَدْ مَكَرُوا. سِمُّ الأَصْلاَلِ تَحْتَ شِفَاهِهِمْ. 14 وَفَمُهُمْ مَمْلُوءٌ لَعْنَةً وَمَرَارَةً. 15 أَرْجُلُهُمْ سَرِيعَةٌ إِلَى سَفْكِ الدَّمِ. 16 فِي طُرُقِهِمِ اغْتِصَابٌ وَسُحْقٌ. 17 وَطَرِيقُ السَّلاَمِ لَمْ يَعْرِفُوهُ. 18 لَيْسَ خَوْفُ اللهِ قُدَّامَ عُيُونِهِمْ»" رومية 3.
هل هذه أوصاف عالم ممكن أن يُخرج حكام صالحين؟ في معظم الأحيان لا للأسف.
لذلك انتخاب رئيس في ظل هذا العالم الفاسد؛ في معظم الأحيان، ما هو إلا اختيار الأخف شرًا وضررًا من بين المرشحين.
هو ليس اختيار شخصك المثالي طبعًا، لكن اختيار مرشح بين مُرشحيْن أو أكثر. لذلك ونحن ندرك أنه إذا انتخبنا أو لم ننتخب، سيفوز أحد المرشحين على كل الأحول. لذلك أفضل لنا ولملكوت الله، أن ننتخب الأخف شرًا من بين المرشحين، بإرشاد الروح القدس. ولنحفظ باقي المعايير القادمة، لتساعدنا في قرارنا.
ثانيًا، لا تفعل أو تؤيد شيء يتضارب مع القيم الكتابية:
كما نرى من سيرة دانيال، نحميا، مردخاي، حَنَنْيَا، مِيشَائِيلُ وَعَزَرْيَا...إلخ. وهؤلاء يحملون نموذج مؤمن يعيش في دولة غير مؤمنة. حافظوا على إيمانهم بالرغم من وجودهم ضمن نظام سياسي فيه ظلم وكفر وعدم إيمان:
"8 أَمَّا دَانِيآلُ فَجَعَلَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لاَ يَتَنَجَّسُ بِأَطَايِبِ الْمَلِكِ وَلاَ بِخَمْرِ مَشْرُوبِهِ، فَطَلَبَ مِنْ رَئِيسِ الْخِصْيَانِ أَنْ لاَ يَتَنَجَّسَ" دانيال 1.
فنحن نعيش في عالم ظالم، لا تسمح لنفسك أن تؤيد كل شيء في الحزب أو القائد الذي تنتخبه:
"29 فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَالرُّسُلُ وَقَالُوا: «يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ اللهُ أَكْثَرَ مِنَ النَّاسِ" أعمال 5
يجب أن لا نكون نكديين متضاربين مع العالم، إلا إذا تضارب الأمر مع إيماننا!!
"21 مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ، لَيْسَ قُدَّامَ الرَّبِّ فَقَطْ، بَلْ قُدَّامَ النَّاسِ أَيْضًا" 2 كورنثوس 8.
الآية السابقة، لا تدعونا أن نتضارب مع العالم، بل أن نكون مطاوعين للمجتمع الذي نحيى به؛ إلا إذا أراد أن يفرض علينا أن نعمل شيء يتضارب مع إيماننا. عندها نطبق قول الآية السابقة لها: "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس". وللأسف لدى الكثير من المؤمنين، يعتبرون هذه الآية كأنها تقول "ينبغي أن يطاع الله ولا يطاع الناس"!! وهذا خطأ، نتوافق مع المجتمع، لغاية ما نتصادم مع شيء يتضارب مع إيماننا. عندها نطيع الرب وحده، ولا نتماشى مع الممارسة التي تتضارب مع قيم إلهنا، المُعلنة في وحيه الوحيد، الكتاب المقدس.
ثالثًا، المؤمن مسؤول عن التفاعل مع ما يحدث في بلده:
فالوحي عندما يوصينا، بل يأمرنا، في الآيات: " فَأَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ ..." (1 تيموثاوس 2: 1)؛ فالله يعلمنا من خلال التفاصيل الدقيقة في الآية؛ أن الصلاة لأجل شعبنا ودولتنا، هي من أهم الأولويات:
"أَنْ تُقَامَ طَلِبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَابْتِهَالاَتٌ وَتَشَكُّرَاتٌ" (1 تيموثاوس 2: 1)، أي أننا يجب أن نعطي جميع الأحداث التي تحدث في بلادنا ذروة أهتمامنا "أول كل شيء":
"1.. أَنْ تُقَامَ طَلِبَاتٌ (δεήσεις طلبات محددة) وَصَلَوَاتٌ (προσευχάς عبادات، لقاء الصلاة الشامل كل شيء، حتى الصوم) وَابْتِهَالاَتٌ (الصلاة المتكررة، التشفع) وَتَشَكُّرَاتٌ (جمع شكر، حمد)"
"1.. لأَجْلِ (1) جَمِيعِ النَّاسِ (بكافة أجناسها، الوانها، دياناتها: دعوة لكسر أي نوع من العنصرية والفوقية...) 2 (2) لأَجْلِ الْمُلُوكِ (ملوك، حكام، رؤساء) (3) وَجَمِيعِ الَّذِينَ هُمْ فِي مَنْصِبٍ (روحي، سياسي، تعليمي، إداري، مجتمعي، مؤسساتي... وغيره)" 1 تيموثاوس 2.
نرى مما سبق:
(1) دعوة صارمة لعدم الانعزال عما يحدث حولنا، بل نتتبعه ونحلله، لنعلم رأي الله فيه.
(2) يؤكد على واجبنا لتتبع الأحداث حولنا، لإحداث تغيير في الدولة التي نعيش بها.
لذلك الانتخاب المنقاد بالصلاة وطلب إرشاد الروح القدس، هو أحد الواجبات التي تفسح لنا المجال لتحقيق هذا كمؤمنين نعيش لأجل ملكوت سماوي.
رابعًا، ننتخب على أساس الأفضل للجميع بلا تمييز:
فعندما يطلب الله "أَنْ تُقَامَ طَلِبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَابْتِهَالاَتٌ وَتَشَكُّرَاتٌ لأَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ" (1 تيموثاوس 2: 1)؛ نفهم من عبارة "جميع الناس"، أن الله يحب جميع الناس بلا تمييز، ومهتم بالجميع: يهود، مسلمين، مسيحيين، دروز، بهائيين، علمانيين، ملحدين .. وغيرهم. نفرح بخير الأكثرية، لكن بالأخص نهتم أكثر في الأفضل للأقليات والمستضعفين. فأي حزب سياسي سيحقق المساواة أكثر، يجب أن نعتبره أكثر من أحزاب ثانية.
خامسًا، ننتخب على أساس تحقيق الحلول السلمية لا العنفية:
أيضًا الوحي يقول أن هدف صلاتنا يجب أن يخص السلام الأرضي، حتى لو لم يكن كاملاً، سيكون أفضل من العنف، القتل، والحروب:
"2 لِكَيْ نَقْضِيَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً (السلام الأرضي).." 1 تيموثاوس 2.
سادسًا، انتخاب حزب أو رئيس يوفر الإرادة الحرة الأدبية للفرد:
أيضًا الوحي في نفس الآية يقول: "2 لِكَيْ نَقْضِيَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً فِي كُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ." 1 تيموثاوس 2.
فعبارة "فِي كُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ"، تؤكد أن محور صلاتي واهتمامي، هو السعي ليكون حرية العبادة والإيمان لكل إنسان. فمثلا يجب أن نحارب من أجل توفير الحرية القانونية، خاصة للمسلم، أن يغير دينية إذا أراد؛ دون اضطهاده من قبل حكومته، رجال دينه، أو أصحاب دينه. فمبدأ الإرادة الحرة في الإيمان والعقيدة التي وهبها الله لجميع البشر، هو من أهم المبادئ في أساسات الخليقة، التي وهبها الله لآدم ولنسله. حيث نرى كيف خلق الله آدم وحواء، وخلق لهم الإمكانية لرفضه والتمرد عليه. وجميع الحكومات التي تنتهكها، تنتهك أساس هام أخلاقي من أساسيات الله في خليقته، فلا يمكن أن تنطلق وتنجح!
سابعًا، أن تكون أولويتي هي ملكوت الله:
بحسب ما يطرحه الوحي في تكملة نص 2 تيموثاوس 2، يقول:
"3 لأَنَّ هذَا حَسَنٌ وَمَقْبُولٌ لَدَى مُخَلِّصِنَا اللهِ، 4 الذي يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يُقبلون" 1 تيموثاوس 2.
يجب أن يكون انتخابنا هدفه خلاص شعبنا، وليس لأجل السلام والعدالة كهدف. أي أن يكون وزننا للأمور من جهة الترتيب السياسي، غير مبني على استحساننا أو استحسان شعبنا أو العدالة البشرية الزائفة النافلة؛ بل حسب ما هو الأفضل لملكوت الله الذي دُعينا لنخدمه ونعيش لأجله. فنسعى لانتخاب حكومة لا تحارب ملكوت الله وامتداد الإنجيل، وطبعًا توفر الحرية لأصحاب الديانات الأخرى أيضًا بنفس المعايير.
أيضًا كإنسان يعيش لأجل الملكوت، انتخابي لحزب معين أو مرشح؛ لا يعني أني احتاج أن أوافقه على كل شيء. فاختياراتنا في الانتخابات في هذا العالم الساقط، معظمها مجرد اختيار المرشح أو الحزب الأقل سوءً بين الباقين!
ثامنًا، سلام الدولة التي أعيش فيها أولا:
طبعًا نحن نرنوا ونصلي لأجل السلام في الشرق الأوسط ولإنصاف الشعب الفلسطيني ورد له حقوقه في الأرض والعيشة الكريمة. لكن يجب أن ندرك أن الأولوية الأولى التي يجب أن نوزن بها الأمور في إطار أي حل، هي سلام الدولة التي نعيش بها أولا، حيث يعلمنا الوحي:
"7 وَاطْلُبُوا سَلاَمَ الْمَدِينَةِ الَّتِي سَبَيْتُكُمْ إِلَيْهَا، وَصَلُّوا لأَجْلِهَا إِلَى الرَّبِّ، لأَنَّهُ بِسَلاَمِهَا يَكُونُ لَكُمْ سَلاَمٌ" إرميا 29.
وهنا يدرج حالة أصعب بكثير من حالة شعب مُحتل فقط؛ بل وصية لشعب محتل، استُعبد من قبل الدولة التي احتلته وهَجَّرته لأرض بعيدة ليخدمها فيها. ومع هذا يطلب منه الله أن يصلي لسلامة المدينة التي سُبيَ إليها؛ مشددًا لهم أنه بسلامها، يكون لهم سلام.
جدير بالذكر هنا، أنه من قوله "سلام المدينة"، نتعلم أيضًا أنها ليس دعوة لتقوية الدولة المعتدية سياسيًا (أي لم يقل "سلام البلد أو الدولة")؛ بل دعوة لسلامة المدينة، أي سلام اجتماعي في البلد الذي يعيش فيه الناخب، مهما كان مستاءً من حكومته. لذلك العربي الذي يعيش في إسرائيل، يجب أن يكون اهتمامه الأول سلامة إسرائيل؛ والمهاجر الذي يعيش في دولة أوروبية، ويريد أن ينتخب؛ يجب أن يكون انتخابه مؤسسة على الأفضل للبلد الذي يعيش فيه، وليس للبلد الذي أتى منه!!
القدس - 15/ 05/ 2025
باسم أدرنلي