كنيسة بلا جدران

موقف الكتاب المقدس من الخدمة في الجيش

ما هو موقف الكتاب المقدس من جهة الخدمة في أي جيش؟
وهي قضية هامة يحتاج أن يتعلم عنها الشاب المسيحي في عالمنا الحالي. لكي تناول القضية من وجهة نظر كتابية، نحتاج أن نعتبر الآتي:

أولا، التجند في أي جيش أمر غير مستحب في إطار عالم شرير:

أؤمن بأن الخدمة في الجيش الإسرائيلي، الفلسطيني أو غيره، هي ليس أمر مُستحب في حالة هذا العالم الذي يسوده الشر:
"19 نَعْلَمُ أَنَّنَا نَحْنُ مِنَ اللهِ، وَالْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِ" 1 يوحنا 5.
"2 وَلاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ.." رومية 12.

ثانيًا، يجب أن تتمنى الخير للدولة التي تحتضنك؟

إن الوحي الكتابي يعلمنا أن يكون ولائنا وأمانينا بالخير للدولة التي نعيش بها، فوق ولائنا لموطننا الأصلي. فنرى الله يوصي شعبه في القديم أن يحسن للدولة التي احتلته وقهرته!
"7 وَاطْلُبُوا سَلاَمَ الْمَدِينَةِ الَّتِي سَبَيْتُكُمْ إِلَيْهَا، وَصَلُّوا لأَجْلِهَا إِلَى الرَّبِّ، لأَنَّهُ بِسَلاَمِهَا يَكُونُ لَكُمْ سَلاَمٌ" إرميا 29
هذا هو مفتاح هام في قضية خدمة الجيش في موطنك الأصلي، أو الوطن الذي تهاجر إليه. وبهذا الخصوص، نحتاج أن نأخذ النموذج الثاني في الكتاب المقدس؛ وهو عيش مؤمن في نظام غير مؤمن، ولا يعترف يإيمانه. في الآية السابقة، الله يوصي شعبه أن يتمنى الخير للمدينة التي يُسبون إليهم؛ أي المدينة التي تتبع للاحتلال البابلي الذي هجَّرهم من وطنهم كعبيد، وسكنهم بها!!!! أليست هذه القيم الكتابية صعقة لمن هاجر من الوطن العربي لدول الغرب؟ 
لكن للأسف، نجد الكثير من هؤلاء يلعنون الدولة التي هاجروا والتجأوا إليها طوعًا لطلب الخير والحماية! وهذا مناف تمامًا لفكر الله وتعاليمه.
ونرا أكبر مثالا على هذا، أمانة مردخاي؛ وهو يعمل في البلاط الملكي للملك الوثني الفارسي المحتل. وأنقذه من مكيدة أعدت ضده لقتله!! (أستير 2: 21-23)

ثالثًا، إما دعوة أو تجنيد إجباري:

أما إذا شعر الإنسان المؤمن بدعوة من الله شديدة لذلك، أو إذا كان تجنيده إجباري من قبل الدولة. فالوحي أيضًا يضع مساحة لهذا، شريطة ألا يفعل المؤمن في الخدمة أي شيء يعارض أخلاقيات الله الذي يتبعه: "ينْبَغِي أَنْ يُطَاعَ اللهُ أَكْثَرَ مِنَ النَّاسِ" (أعمال 5: 29)؛ وأن يكون هدفه أن يُظهر شهادة المسيح في عمله ومكانه.
نرى تأييدًا لهذا، من رد يوحنا المعمدان على سؤال الجنود اليهود الذين يخدمون في الجيش الروماني، عندما سألوه بعدما تابوا: 
"14 وَسَأَلَهُ جُنْدِيُّونَ (στρατευόμενοι ستراتيومينوي) أَيْضًا قَائِلِينَ: وَمَاذَا نَفْعَلُ نَحْنُ؟ فَقَالَ لَهُمْ: لاَ تَظْلِمُوا أَحَدًا، وَلاَ تَشُوا بِأَحَدٍ، وَاكْتَفُوا بِعَلاَئِفِكُمْ." لوقا 3.
من جهة من هؤلاء الجنود: الاحتمال الأكبر، جنود لدولة الاحتلال الروماني، جنود هيرودس أنتيباس. أو الاحتمال الأضعف، حراس يعملون لحساب الفريسيين. وهذا احتمال ضعيف، لأن كلمة حراس مختلفة؛ وجنود التنسيق، كانوا فقط في القدس. 
وتظهر عدة نصوص أن الفريسيين لم يكن عندهم جنود، بل حراس فقط:
"63 قَائِلِينَ (الفريسيين): «يَا سَيِّدُ، قَدْ تَذَكَّرْنَا أَنَّ ذلِكَ الْمُضِلَّ (يسوع) قَالَ وَهُوَ حَيٌّ: إِنِّي بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَقُومُ. 64 فَمُرْ بِضَبْطِ الْقَبْرِ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ، لِئَلاَّ يَأْتِيَ تَلاَمِيذُهُ لَيْلاً وَيَسْرِقُوهُ، وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ: إِنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ، فَتَكُونَ الضَّلاَلَةُ الأَخِيرَةُ أَشَرَّ مِنَ الأُولَى!» 65 فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «عِنْدَكُمْ حُرَّاسٌ (κουστωδίαν كوستوذيان). اِذْهَبُوا وَاضْبُطُوهُ كَمَا تَعْلَمُونَ»." متى 27.
ونرى أنه في ليلة القبض على المسيح، لم يكن لدى الفريسيين جنود؛ فلو كان عندهم جنود، لظهروا في تلك الليلة:
"47 وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ، إِذَا يَهُوذَا أَحَدُ الاثْنَيْ عَشَرَ قَدْ جَاءَ وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَشُيُوخِ الشَّعْبِ" متى 26.
إذا الجنود المقصودين هنا، جنود يخدموا في دولة الاحتلال الروماني لحساب هيرودس أنتيباس.

أيضًا نرى من نص آخر، لم يدعُ الرسول بطرس قائد مئة مع أقاربه وزملائه، من جنود الاحتلال الروماني لترك الجيش!
"1 وَكَانَ فِي قَيْصَرِيَّةَ رَجُلٌ اسْمُهُ كَرْنِيلِيُوسُ، قَائِدُ مِئَةٍ مِنَ الْكَتِيبَةِ الَّتِي تُدْعَى الإِيطَالِيَّةَ ... 24 وَفِي الْغَدِ دَخَلُوا قَيْصَرِيَّةَ. وَأَمَّا كَرْنِيلِيُوسُ فَكَانَ يَنْتَظِرُهُمْ، وَقَدْ دَعَا أَنْسِبَاءَهُ وَأَصْدِقَاءَهُ الأَقْرَبِينَ." أعمال 10.
وكانت كنيسة القرن الأول تشمل أيضًا سياسيين:
"1 وَكَانَ فِي أَنْطَاكِيَةَ فِي الْكَنِيسَةِ هُنَاكَ أَنْبِيَاءُ وَمُعَلِّمُونَ: بَرْنَابَا، وَسِمْعَانُ الَّذِي يُدْعَى نِيجَرَ، وَلُوكِيُوسُ الْقَيْرَوَانِيُّ، وَمَنَايِنُ الَّذِي تَرَبَّى مَعَ هِيرُودُسَ رَئِيسِ الرُّبْعِ، وَشَاوُلُ" أعمال 13

رابعًا، إذا خَدَمْتَ في الجيش، لا تفعل ما يتضارب مع إيمانك:

في النموذج السابق من لوقا 3، لم يطلب منهم يوحنا المعمدان أن يتركوا خدمة الجيش الذي يخدم في نهاية الأمر روما، وهي حكومة احتلال!! بل نرى فقط يوحنا يحثهم ألا يعملوا أي شيء يتضارب مع إيمانهم:
" فَقَالَ لَهُمْ: لاَ تَظْلِمُوا أَحَدًا، وَلاَ تَشُوا بِأَحَدٍ، وَاكْتَفُوا بِعَلاَئِفِكُمْ" لوقا 3: 14.
"11 وَلاَ تَشْتَرِكُوا فِي أَعْمَالِ الظُّلْمَةِ غَيْرِ الْمُثْمِرَةِ بَلْ بِالْحَرِيِّ وَبِّخُوهَا" أفسس 5.

أمَّا إذا كان نظام الجيش أو الشرطة يسوده الشر، فواضح جدًا أنه لا يقدر المؤمن أن يلتحق به أبدًا، لأنه يكون آنذاك من المستحيل أن يطيع الله في إطار الجيش أو الشرطة التي يخدم بها، ويجب أن يبحث عن طريق آخر. فعندما يعيش المؤمن مع فئة شريرة تمامًا، أفضل له الانعزال، وليس الاختلاط معهم:
"8 إِذْ كَانَ الْبَارُّ، بِالنَّظَرِ وَالسَّمْعِ وَهُوَ سَاكِنٌ بَيْنَهُمْ، يُعَذِّبُ يَوْمًا فَيَوْمًا نَفْسَهُ الْبَارَّةَ بِالأَفْعَالِ الأَثِيمَةِ" 2 بطرس 2.
"1 طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ الأَشْرَارِ، وَفِي طَرِيقِ الْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ، وَفِي مَجْلِسِ الْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ" المزامير 1.

القدس - 15/ 05/ 2025
باسم أدرنلي

 
6 مشاهدة