كنيسة بلا جدران

كيف نُحب شعبنا والشعب الآخر؟

إن الكنيسة مدعوة لتعكس محبة الله في هذا العالم، التي مكنها لنا المسيح، بقوة روح الله الذي يسكن فينا:
"7 أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ. 8 وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ. 9 بِهذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللهِ فِينَا: أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ" 1 يوحنا 4.
لكن في هذا المقال سنستعرض كيف يمكن أن نحب شعوبنا ودولنا؟
للجواب عن هذا السؤال، سنستعرض أربع مبادئ أساسية ستساعدنا في محبتنا لشعبنا

أولا، نحن لا نحب دول، بل بشر وشعوب:
الكنيسة غير مدعُوة لأن تحب أو تدعم دولة معينة أو نظام سياسي معين. فهناك الكثير من الكنائس يقولون "أنا أحب إسرائيل" أو نحن من مؤيدي إسرائيل أو نحن ندعم إسرائيل. وفي المقابل، نرى نفس الفكر تجاه فلسطين ودول أخرى كثيرة. فهناك اختلاط عند المسيحيين في هذه النقطة! الله طلب منا أن نحب ناس، شعوب: اليهود، الفلسطينيين، المسلمين، الدروز، البهائيين، الملحدين....إلخ، وليس دولة إسرائيل أو دولة فلسطين (ككنيسة).
جميع هذه هي موقف كتابية غير سليمة من الكنيسة التي يجب أن تكون في صف الله وحده (كما بينا في مقالات سابقة).  أما المؤمنين كأفراد، فممكن أن يحبوا دولة معينة بحب روحي أو بشري؛ لكن هذا غير مطلوب منا كتابيًا!!!  الله طلب منا أن نحب بشر، شعوب، وليس منظومات سياسية لهذا العالم الشرير، مثل دُوَل أو حكومات!! 

ثانيًا، أن أحب شعبي محبة إلهية ليس جسدية:
نبدأ بسؤاليت توضوحيين:
ما هي المحبة الجسدية المقصودة؟ 
هي محبة بشرية طبيعية موجودة لجميع البشر، التي مصدرها ليس الله الروح القدس. 
وما هي المحبة الإلهية؟
المحبة الإلهية هي مصدرها الروح القدس (أي الله)، وهي تعكس حب الله لشعبي من خلالي.
فعندما نحب شعوبنا محبة جسدية، هذا يتضارب مع طبيعتنا الجديدة مع المسيح:
"17 إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا" 2 كورنثوس 5.
من الطبيعي أن أحب بلدي وشعبي؛ لكن عندما أؤمن بالمسيح، احتاج أن أصلي ليستبدل الله محبتي الجسدية (وليدة إنساني القديم الفاسد)، بمحبته إلهية جديدة لشعبي استقبلها من الله بإنساني الجديد. كما تقول الآية السابقة: "الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا"، فكلمة "الكل" في الآية، تشمل أيضًا محبتي لوطني وشعبي القديمة. وأيضًا تشمل محبتي، لمن كنت أسميه في حياتي القديمة، "أعدائي"!
"27 لكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، 28 بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ" لوقا 6.
فأحبوا في الآية هي فعل أمر؛ والمسيح يتكلم عن محبة مصدرها الروح القدس، محبة إلهية "Ἀγαπᾶτε".
فهل الأشياء العتقية التي مضت، تشمل محبتي العتيقة لشعبي؟ نعم بالتأكيد!
وهذا يتم فقط بقوة روح الله الساكن فيها. نراه في المسيح وهو على الصليب، قال "يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ" (لوقا 23: 34).
فيقول الكثير من المؤمنين: "إن المسيح استطاع فعلا هذا لأنه المسيح، أنا ليست لدي قدرة كالمسيح". فيخرسنا الوحي باستعراض أحد الشمامسة (وليس الرسل) الذي قالها بقوة الروح القدس:
"55 وَأَمَّا هُوَ (أي الشماس استيفانوس) فَشَخَصَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، فَرَأَى مَجْدَ اللهِ، وَيَسُوعَ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ... 59 فَكَانُوا يَرْجُمُونَ اسْتِفَانُوسَ وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ: «أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ اقْبَلْ رُوحِي». 60 ثُمَّ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «يَارَبُّ، لاَ تُقِمْ لَهُمْ هذِهِ الْخَطِيَّةَ». وَإِذْ قَالَ هذَا رَقَدَ" أعمال 7.
كما نرى من الحدث في الآية السابقة من عبارة "وَهُوَ مُمْتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ"، مصدر المحبة؛ طلب من الرب يسوع القائم عن يمين الله، قائلا: "يَارَبُّ، لاَ تُقِمْ لَهُمْ هذِهِ الْخَطِيَّةَ". فالمحبة الإلهية تتجسد في قلوبنا، بواسطة تجسد الله الروح القدس فيها:
"5..لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا" رومية 5.

ثالثًا، لا أحب = أبغض:
أقصى حد إيجابي ممكن أن تصل إليه المحبة الجسدية تجاه من يعادينا؛ هو: "أنا لست أكره الطرف الآخر، لكني لست أحبه أيضًا." لكن حتى هذه النقطة، الوحي أظهرها لنا لكي لا تخدعنا. حيث وضع عبارة "من لا يحب" كتمرادفة ومساوية لعبارة "أبغض"!
"8 وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ... 20 إِنْ قَالَ أَحَدٌ: «إِنِّي أُحِبُّ اللهَ» وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ. لأَنَّ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ الَّذِي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ الَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ؟" 1 يوحنا 4.
فالآية السابقة تساوي بين "لا يحب" و "يبغض"، كلاهما سيان بالنسبة للمؤمن بالمسيح!

سؤال: ماذا لو كنت لا أقدر أن أحب شخص، بالرغم من محاولاتي وصلواتي الكثيرة؟
هذا السؤال هو من أكثر وأهم الأسئلة التي ممكن أن تُسأل! معظم هؤلاء المؤمنين، يحاولون كل جهدهم أن يحبوا شخص، لكن يظلوا يشعرون أن ليس لديهم حب فعلي تجاه ذلك الشخص. وعندما أتكلم معهم، أراهم في معظم الأحيان يحصرون قضية حب الشخص الصعب، في إطار فقدان مشاعر المودة نحوه. فيحاولون ويحاولون دون جدوى، ويعتقدون أنهم فشلون في حبهم لذلك لشخص! لكن في مُعظم الحالات التي اختبرتها، أجدهم في الحقيقة يحبون ذلك الشخص دون أن يعرفوا ذلك! فببساطة هم يظنون أن المحبة للأشخاص الصعبة، يجب أن تشمل أيضًا الشعور بالمودة نحوهم! وهذا خطأ جسيم. 
إن المحبة الإلهية لا تأتي بالضرورة مع المودة، خاصة تجاه الأشرار، أو أناس مؤذية للآخرين. لأن المحبة للأشخاص البعداء، غالبًا ما تكون مرتبطة بحبنا لشخصياتهم؛ فكيف نحب شخصياتهم الشريرة!؟ الله نفسه لا يحب شخصيات الأشرار، لأن شخصيات الأشرار، تنبع من تصرفاتهم الشريرة؛ فمن الطبيعي للمؤمن الحقيقي ألا يحب شخصيات الأشرار!!؟ لذلك يتعثر الكثير من المؤمنين عندما لا تكون لديهم مودة لشخصٍ ما، دون أن يفهموا هذه النقطة! 
ولهذا يجب أن نعلم أن المحبة هي التوحد مع الذات الإلهية في حب الله للطرف الآخر الذي يبغضني ويريد أن يؤذيني. وتكون في معظم الأحيان خالية من المودة. هذا المفهوم نجده في تعليم المسيح عن محبة الأعداء. فبعد أن يعلم المسيح آياته المعروفة "أحبوا أعدائكم..." متى 5: 44؛ يعلمنا ويشرح لنا المعنى والقصد من مفهوم محبة الأعداء. وهو كالتالي:
"45 لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ (لكي تقتدوا بأبيكم السماوي؛ تتوحدوا مع قلبه) فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ. (أي أن الله يبغض شخصيات الأشرار، لكنه يحب لهم الخير دائمًا؛ فيبارك حياتهم؛ ولذلك علمنا "إن جاع عدوك أطعمه..").
46 لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضاً يَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟ (هو يقول لهم، أريدكم أن تتوحدوا مع أبوكم السماوي. هو يريد الخير للأشرار، فماذا سيكون موقفكم؟ فلو أردتم الخير فقط للمقربين لكم، ما المميز بهذا؟ فعصابة القتلة والمجرمين، يحبون أفراد عصابتهم، ويريدون لهم الخير أيضًا..!!)
47 وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ فَأَيَّ فَضْلٍ تَصْنَعُونَ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضاً يَفْعَلُونَ هَكَذَا؟ (وإن تمنيتم السلامة لإخوتكم فقط، أليس أيضًا المجرمين والقتلة يطلبون سلامة إخوتهم أيضًا!!؟)
48 فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ." متى 5.

رابعًا، المحبة الجسدية لها دائمًا جانب مُظلم:
عندما علم المسيح عن محبة المال مثلا، قال:
"24 لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ" متى 6.
الأمر العجيب الذي نراه في هذا القول، هو تطابق أربع كلمات متناقضة.
يبغض – يحب / يلازم – يحتقر 
النص يتكلم عن محبة الله وعبادته الصادقة، التي تجعلنا نبغض الشر ونحتقر لمعان الدنيويات. ففي المحبة الإلهية جانب البغضة والاحتقار فيها سليم وصحي.
أما المحبة الجسدية، فجانب البغضة والاحتقار فيها غير سليم، بل أثيم؛ لأنها تجعلني أبغض أو أحتقر الشعب الآخر، هذه هذ المشكلة!
* إن كانت محبَّتي لشعبي الفلسطيني جسديَّة فسأبغض وأحتقر الشعب اليهودي أو شعوب أخرى.
* إن كانت محبتي للمسيحيين جسدية، فسيكون عندي عنصرية وكراهية ضد أناس من ديانات أخرى.
* إن كانت محبَّتي لكنيستي جسديَّة، وليست كنتيجة لمحبة المسيح، فسأحتقر كنائس وطوائف أخرى.
* إن كان الجسد هو السائد على محبتي لامرأتي، فسأغار عليها غيرة مُرَّة متملكة، وأبغض شخص معيَّن رأيته يتكلَّم معها بشكل عفوي!
* إذا كانت محبتي لنفسي جسدية، فسأحتقر الآخرين وأعتقد أني أفضل منهم، وأضع نفسي في تنافس جسدي مستمر معهم.
* إذا كانت محبَّتي لأولادي جسديَّة، فسأحتقر أولاد آخرين، وسوف لا أحكم حكمًا عادلاً على أفعالهم عندما يُخطئون.
* إذا كانت محبتي لخدمتي التي وكَّلني عليها الله جسدية، فسأحتقر خدمات خدَّام آخرين؛ محاولاً إظهار عيوبها وفشلها.
إنَّ المحبَّة الجسديَّة هي من أخطر الضعفات التي نعاني منها، خاصة كمؤمنين في الأرض المقدسة، يهودًا وعربًا؛ ولدول كثير عندها تعصبات مع طوائف وأقليات بمسميات مختلفة. والخطير فيها هو أنها غير ظاهرة؛ أي أن القليل جِدًّا من المؤمنين الذين يشعرون أنَّها شيء خطأ: "أنا أحب شعبي، ما الخطأ بهذا!". لأنها لا تظهر بمظهر سيِّئ؛ والسبب في هذا، هو أن مُعظم المؤمنين لا ينتبهون إلى الوجه الآخر المظلم لمحبَّتهم الجسديَّة. يا أحبا، لا يقدر أي شيء من إنتاج الجسد أن يخدم ويكرم الله:
"7 لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ عَدَاوَةٌ ِللهِ، إِذْ لَيْسَ هُوَ خَاضِعًا لِنَامُوسِ اللهِ، لأَنَّهُ أَيْضًا لاَ يَسْتَطِيعُ (الجسد لا يقدر أن يخضع لله) 8 فَالَّذِينَ هُمْ فِي الْجَسَدِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُرْضُوا اللهَ" رومية 8
فهذه الآية تؤكد على أنه مهما كانت نيتي حسنة ومحبتي لشعبي قوية جدًا وصادقة. إذا كانت جسدية وليست إلهية، لن تخضن لنظام الله، ولن تقدر أن تخدمه وتتشبه بالمسيح.
فعندما نحب شعبنا الفلسطيني حبًا إلهيًا حقيقيًا، سنحب اليهود أيضًا. وعندما نحب شعبنا حب جسدي، سنكره اليهود أو نحتقرهم. ونفس المبدأ ينطبق على كل محبة جسدية، لـ: للطائفة العرقية التي تنتمي لها، كنيستك، نفسك، شغلك، زوجتك، خدمتك، أولادك...إلخ. لا شيء من الجسد يقدر أن يخدم ويمجد الله.

إذا تعلمنا وفهمنا وطبقنا الأربعة مبادئ السابقة، نقدر أن نحب شعوبنا بمحبة المسيح فعلا. هذه هي المحبة الوحيدة التي ستحرك السماء نحوه وتخدمه وتخلصه. عندها تكون محبتي لشعبي قادرة أن تخدم المسيح وملكوته السماوي الأبدي. وهذه تكون أفضل خدمة ممكن أن أخدمها لشعبي – أن أعكس محبة الله الحقيقية له بملء نعمتها وقوتها التي تحطم الصخور.

القدس - 11/ 05/ 2025
باسم أدرنلي

178 مشاهدة