الأرض المقدسة، المدينة المقدسة، واليهود
إن هذا موضوع كبير جدًا في الكتاب المقدس. عندما تُذكر كلمة أورشليم أو صهيون في العهد القديم فقط، حوالي ألف مرة!! لذلك، لكي نحصر الموضوع، سنركز أكثر على تعاليم العهد الجديد عن هذا الموضوع؛ وليس على نظرة العهد القديم.
لا نرى أي دليل واضح في العهد الجديد يربط الوعد الإلهي لخلاص اليهود، بعد خلاص ملء الأمم، بالأرض المقدسة اليوم. ونبدأ في عدة نقاط وأسئلة، ستطرح فهم أوسع عن الموضوع، وبشكل واضح ومختصر:
لماذا يوجد حدودين للأرض المقدسة في العهد القديم؟
الأول، من الفرات للنيل:
قال الله لإبراهيم: "17 أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً، وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيرًا كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ.." تكوين 22!
"18 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقًا قَائِلاً: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ" تكوين 15
الوعد النبوي بأنه من نسل إبراهيم ستتبارك كل شعوب الأرض، هذا الذي يقصده الوعد أعلاه "من الفرات للنيل". وسيتم من خلال المسيح؛ الذي أفرز وأرسل بقية أمينة من اليهود لكل الأمم والشعوب:
"7 وَلاَ لأَنَّهُمْ مِنْ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ هُمْ جَمِيعًا أَوْلاَدٌ. بَلْ «بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ»" رومية 9.
"16 وَأَمَّا الْمَوَاعِيدُ فَقِيلَتْ فِي إِبْرَاهِيمَ وَفِي نَسْلِهِ. لاَ يَقُولُ: «وَفِي الأَنْسَالِ» كَأَنَّهُ عَنْ كَثِيرِينَ، بَلْ كَأَنَّهُ عَنْ وَاحِدٍ: «وَفِي نَسْلِكَ» الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ" غلاطية 3.
إن مصطلح من الفرات للنيل، هو شعار وإشارة نبوية لخلاص كل الشرق الأوسط، بل كل العالم، لكن بلغة العهد القديم:
"24 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ إِسْرَائِيلُ ثُلُثًا لِمِصْرَ وَلأَشُّورَ، بَرَكَةً فِي الأَرْضِ، 25 بِهَا يُبَارِكُ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلاً: «مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ، وَعَمَلُ يَدَيَّ أَشُّورُ، وَمِيرَاثِي إِسْرَائِيلُ»." أشعياء 19.
أيضًا النبوة، مرتبطة بالمادة أيضًا؛ فنجد أن أمهات أولاد إبراهيم الفعليين، من هذه البلدان. فإبراهم تزوج هاجر (المصرية)؛ سارة (وهي رمز لكنعان ونواة شعب إسرائيل)، وقطورة (الأشورية).
إذا الحدود من الفرات للنيل، هي حدود رمزية تعكس عهد الله مع إبراهيم لخلاص العالم كله. حيث يفسر هذه النقطة العهد الجديد نفسه. فعندما يتكلم العهد الجديد عن قصد الله من جهة الوعد الإبراهيمي الأوسع؛ يوضح أنه يقصد به من جهة الأرض – العالم كله:
"فَإِنَّهُ لَيْسَ بِالنَّامُوسِ كَانَ الْوَعْدُ لإِبْرَاهِيمَ أَوْ لِنَسْلِهِ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا لِلْعَالَمِ، بَلْ بِبِرِّ الإِيمَانِ" رومية 4.
الثاني، أرض كنعان:
أما حدود الأرض المتمثلة بأرض كنعان، فهي موعودة في العهد القديم لليهود بشكل حرفي:
"7 وَأُقِيمُ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ فِي أَجْيَالِهِمْ، عَهْدًا أَبَدِيًّا، لأَكُونَ إِلهًا لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ 8 وَأُعْطِي لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ أَرْضَ غُرْبَتِكَ، كُلَّ أَرْضِ كَنْعَانَ مُلْكًا أَبَدِيًّا. وَأَكُونُ إِلهَهُمْ" تكوين 17.
بغض النظر عن التفاسير لهذه الحدود، لنرجع للمبادئ الكتابية الأبسط والأقل تعقيدًا من جهة سلطان الله على توزيع الشعوب وحدود سكناهم:
"26 وَصَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ الأَرْضِ، وَحَتَمَ بِالأَوْقَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَبِحُدُودِ مَسْكَنِهِمْ" أعمال 17.
ونحتاج أن نستقرئ التاريخ أيضًا. من الغريب جدًا مثلا، أنه يحاول العرب سنة 1948، 1956، 1967، 1973، أن يطردوا اليهود من فلسطين، ولم يقدروا. سنة 1948، حارب ستة جيوش عربية اليهود، الذين إمكانياتهم لم تكن شيء يذكر أمام قوة الجيوش العربية؛ كان لديهم بارودة واحدة، لكل ثلاث جنود. حتى إذا سقط واحد، يستخدمها الآخر؛ ومع هذا خسر العرب!
فهل كان يجب أن تكون إسرائيل قائمة كدولة؟
أرى أن السؤال كأنه يُسأل متأخر جدًا عن أوانه:
وكأنك تسأل بخصوص فلان الذي تزوج فلانة قبل 50 سنة (ولا زالوا متزوجين): هل كان من الصواب أن يتزوجا؟
القضية التي نراها هنا، هي أن الله سمح بتأسيس دولة إسرائيل، من نحن لنعترض على هذا (رومية 13: 1-7). طبعًا لا يعني هذا أن نوافق على ظلم الفلسطينيين، وانتهاك حقوقهم، ومعاملتهم بلا مساواة، واغتصاب أراضيهم...إلخ. سماح الله بتأسيس دولة إسرائيل، لا يعني أنها صالحة! فمعظم دول العالم التي سمح الله بتأسيسها، غير صالحة أيضًا.
وبخصوص رجوع اليهود والسيطرة على الأرض. نرى إشارة، اعتقد واضحة، في العهد الجديد. عندما يتكلم عن زوال أزمنة الأمم لحكم أورشليم، وهي:
"24 وَيَقَعُونَ بِفَمِ السَّيْفِ، وَيُسْبَوْنَ إِلَى جَمِيعِ الأُمَمِ، وَتَكُونُ أُورُشَلِيمُ مَدُوسَةً مِنَ الأُمَمِ، حَتَّى تُكَمَّلَ أَزْمِنَةُ الأُمَمِ" لوقا 21.
* من جميع الآباء المفسرين، يؤكدون أن المقصود بمطلع الآية، هم اليهود: "وَيَقَعُونَ بِفَمِ السَّيْفِ، وَيُسْبَوْنَ إِلَى جَمِيعِ الأُمَمِ."
* وبعدها يتكلم عن أورشليم، أنه سيسيطر عليها الأمم بعدما يُطرَد منها اليهود، ويتشتتوا في كل العالم "وَتَكُونُ أُورُشَلِيمُ مَدُوسَةً مِنَ الأُمَمِ".
* لكن في القسم الثالث من الآية، يقول إنه سيفقد الأمم السيطرة على أورشليم، قبل المنتهى، "حَتَّى تُكَمَّلَ أَزْمِنَةُ الأُمَمِ"! أي سينتهي حكم الأمم للمدينة المقدسة. ومعروف أن وحي العهد القديم والجديد، يتكلم بشكل يقسم فيه العالم إلى يهود/شعب إسرائيل وأمم. إذا انتهاء حكم الأمم في الآية، يعني بدء سيطرة اليهود على المدينة المقدسة من جديد. بحسب رأيي، هذه الطريقة التي نقدر أن نفهم الآية بها.
الكثير من المسيحيين يحاولون إدخال هذه النبوءة بالحالة المثالية. أقصد يحاولون إدخال تأسيس دولة إسرائيل، أنها شيء جميل ومثالي. ويحاولون دائمًا خلق الأعذار لإسرائيل أن كل ما تفعله صالح وجيد...إلخ. أو تجد من يشيطن دولة إسرائيل، ويصورها كأشر دولة، وهذا تطرف ثاني! لكن هذا مضاد لسياق الآية، وسياق كل هذا الأصحاح. فالمسح في الآية يتكلم عن الأمور سلبية مزمعة أن تحدث!!
"وَيَقَعُونَ بِفَمِ السَّيْفِ، وَيُسْبَوْنَ إِلَى جَمِيعِ الأُمَمِ" = سلبي
"وَتَكُونُ أُورُشَلِيمُ مَدُوسَةً مِنَ الأُمَمِ" = سلبي
"حَتَّى تُكَمَّلَ أَزْمِنَةُ الأُمَمِ (أي سترجع بأيدي اليهود)" = من الأصح فهمه بشكل سلبي.
نعرف أن السياق سلبي، من إشارتين:
الأولى: نلاحظ أن المسيح لم يقل مثلا، "إلى أن يرجع اليهود ليحكموا أورشليم"! بل يقول "حَتَّى تُكَمَّلَ أَزْمِنَةُ الأُمَمِ"، لكيلا يعطي انطباعًا أنه سيكون أمرًا إيجابيًا!
الثانية: لأن جميع الأحداث بحسب سياق هذا الأصحاح كله، هي أحداث ليست إيجابية، بل سلبية جميعها! كما نفهم من الآية وسياق كل هذا الأصحاح، من جهة أواخر العالم – لوقا 21: 6-28.
تسميات المدينة المقدسة:
أورشليم:
ذكرت في العهد القديم: أورشليم 767 مرة؛ صهيون 161 مرة؛ مدينة القدس مرتين.
في العهد الجديد: أورشليم 141 مرة؛ صهيون 7 مرات.
"5 إِنْ نَسِيتُكِ يَا أُورُشَلِيمُ، تَنْسَى يَمِينِي! 6 لِيَلْتَصِقْ لِسَانِي بِحَنَكِي إِنْ لَمْ أَذْكُرْكِ، إِنْ لَمْ أُفَضِّلْ أُورُشَلِيمَ عَلَى أَعْظَمِ فَرَحِي!" مزمور 137.
"1 فَرِحْتُ بِالْقَائِلِينَ لِي: إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ نَذْهَبُ 2 تَقِفُ أَرْجُلُنَا فِي أَبْوَابِكِ يَا أُورُشَلِيمُ. 3 أُورُشَلِيمُ الْمَبْنِيَّةُ كَمَدِينَةٍ مُتَّصِلَةٍ كُلِّهَا ... 6 اسْأَلُوا سَلاَمَةَ أُورُشَلِيمَ: لِيَسْتَرِحْ مُحِبُّوكِ. 7 لِيَكُنْ سَلاَمٌ فِي أَبْرَاجِكِ، رَاحَةٌ فِي قُصُورِكِ" مزمور 122.
تسمية المدينة قبل دخول شعب إسرائيل عليها:
أورشليم، أورسليم (في رسائل تل العمارنة EA 287، 1350 ق.م.) وأيضًا تسميها الرسالة "بيت شاليم"، وهذا يطابق تكوين 14، هناك تسمى شاليم (أيضًا رسالة الملك الفرعوني سنوسارت حوالي 1850-1330 ق.م).
القدس:
"1.. لِلسُّكْنَى فِي أُورُشَلِيمَ، مَدِينَةِ الْقُدْسِ (עיר הקודש, عير هَكودش).." نحميا 11.
"2 فَإِنَّهُمْ يُسَمَّوْنَ مِنْ مَدِينَةِ الْقُدْسِ وَيُسْنَدُونَ إِلَى إِلهِ إِسْرَائِيلَ. رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ" إشعياء 48.
والتسمية أتت من مكان قدس الأقداس في الهيكل؛ "مدينة القدس"، أي المدينة التي فيها قدس الأقداس للهيكل:
"2 ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ نَحْوَ الْقُدْسِ (أي قدس الأقداس)، وَبَارِكُوا الرَّبَّ" مزمور 134.
هذه التسمية عبرية، وليس عربية وبالتأكيد ليس إسلامية إطلاقًا؛ حيث ليس لها أي وجود في أي نص إسلامي! فعندما المسلم يقول "القدس" هو فعليًا يقول إنها مدينة يهودية، وأن الكتاب المقدس تاج رأسه. لأنه لا ذكر لهذا الاسم، إلا في الكتاب المقدس العبري.
يبوس:
لا يوجد اسم كهذا إلا في الكتاب المقدس (قضاة 11: 10-11 و1 أخبار 11: 4-5)!! نرى أيضًا في الكتاب المقدس إسم اليبوسيين الذين سكنوا في القدس، لكن لم تسمى يبوس في أي وثيقة تاريخية. لم يجد الباحثين أي ذِكر لكلمة يبوس، أو يبوسيين، خارج عن الكتاب المقدس. وأيضًا في رسائل تل العمارنة لا تذكر الكلمة إطلاقًا [1].
أما عالم الآثار ثيوفيلوس بنشيس، وجد قطعة فخارية مكتوب عليها "يابوسو"، ويعتقد أنها ممكن أن يكون لها ارتباط باليبوسيين!! لكن غير مؤكد إطلاقًا ماذا يقصد بـ "يابوسو". هل هم اليبوسيين، اسم امرأة، اسم مصلحة تجارية...إلخ. لا نقدر أن نبت في هذا الأمر إطلاقًا. فيبقى إسم يبوس متوحد على الكتاب المقدس. وكل مسلم يختار أن يستخدم كلمة يبوس، هو يقول فعليًا الكتاب المقدس هو تاج رأسه، ويحكمه. لأنه الوحيد الذي ذكر "يبوس أو بيوسيين" [2].
التسميات الإسلامية للقدس:
بيت المقدس:
تسمية "بيت المقدس" هي تسمية يهودية أيضًا للإشارة لهيكل سليمان "בית המקדש بيت همقداش" أي "بيت المقدس"، أتت من هذه الآية:
"17 فَأَصْعَدَ عَلَيْهِمْ مَلِكَ الْكِلْدَانِيِّينَ فَقَتَلَ مُخْتَارِيهِمْ بِالسَّيْفِ فِي بَيْتِ مَقْدِسِهِمْ.." 2 أخبار 36.
النصوص الإسلامية ذكرت هذا اسم "بيت المقدس"؛ لكنه في الأصل، ورد ذكره للدلالة عن هيكل سليمان، وليس عن مدينة القدس!! أي أن "بيت المقدس" مرادف لكناية "المسجد الأقصى"؛ أي مسجد سليمان:
"أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَنَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خِلاَلاً ثَلاَثَةً سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ فَأُوتِيَهُ وَسَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ فَأُوتِيَهُ وَسَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حِينَ فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ (بيت المقدس، בית המקדש) أَنْ لاَ يَأْتِيَهُ أَحَدٌ لاَ يَنْهَزُهُ إِلاَّ الصَّلاَةُ فِيهِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ " (باب فضل المسجد الأقصى والصلاة فيه - سنن النسائي 696).
"لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ ثَلاَثًا حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ وَمُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ وَأَلاَّ يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لاَ يُرِيدُ إِلاَّ الصَّلاَةَ فِيهِ إِلاَّ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ". فَقَالَ النَّبِيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ " أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ "
حديث صحيح، دار السلام (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها – سنن ابن ماجه).
نلاحظ من الحديثين أن سليمان هو من بنى "بيت المقدس"؛ ونرى أن "بيت المقدس" المذكور في الحديث، يُقصد به "المسجد"؛ في آخر الحديثين. أي أن سليمان هو من بنى بيت المقدس "بيت همقداش"، أي هيكل سليمان؛ وهو المسجد المذكور في سورة الإسراء 1.
"لاَ تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ (أي هيكل سليمان)" دار السلام، سنن النسائي 1430.
لأن مسجد المسلمين لم يكون موجودًا مكان هيكل سليمان عند نزول الآية؛ فندرك أن المقصود بالمسجد الأقصى هنا، هو نفس هيكل سليمان، وليس أي مسجد له أي علاقة بالمسلمين.
إيلياء:
هو الاسم الوحيد المذكور في النصوص الإسلامية للقدس، أي في الأحاديث!!
وهو اسمٌ وُضع على يد محتل روماني اسمه الامبراطور هدريان، سنة 136 م؛ لأنه حاول أن يجعل المدينة يونانية؛ فسماها: إيليا كبتلينا؛ كيدًا لليهود الذين ثاروا ضده وفشلوا (Wikipedia - Aelia Capitolina).
البخاري 4709 – " أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ.."
مسلم، كتاب الحج – " إِنَّمَا يُسَافَرُ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ وَمَسْجِدِي وَمَسْجِدِ إِيلِيَاءَ"
مسلم، كتاب الأشربة – "إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَ اللَّبَنَ.."إذًا الاسم الوحيد للمدينة المقدسة المذكور في النصوص الإسلامية المقدسة، هو "إيلياء"؛ إسمٌ وضعه محتل روماني! وهي فضيحة كبرى للمسلمين، لأنها تنسف بدعة أنهم حرروا الأرض المقدسة وتؤكد أنهم احتلوا الأرض، من المُحتل البيزنطي. فلا يُعقل أن يحرروا الأرض المقدسة، وهم لا يعرفون اسم المدينة المقدسة ذاتها! ولا حتى إلههم يعرف اسم القدس أيضًا، لذلك في أحديث نبيهم استخدم أسم وضعه محتل روماني – إيلياء!!
ولهذا السبب، فضل المسلمون تغييب وإخفاء اسم "إيلياء" كليًا، واستخدام الكناية اليهودية للمدينة "مدينة القدس". أي تبرأوا من استخدام الكلمة الوحيدة الموجودة في أحاديثهم المقدسة "إيلياء"؛ وفضلوا استخدام الاسم اليهودي لها – القدس!!
فيقولون لك: "أنما استخدم اسم إيلياء، لأنه كان الاسم السائد آنذاك، فاستخدمه رسولنا الكريم، ليدل على المدينة المقدس، ليفهم الناس."
جميل جدًا دعني أقبل هذا الرد؛ لكن تظهر عندنا هنا مشكلة أخرى هنا!
لماذا عندما "حرر" عمر بن الخطاب القدس، وكتب العهدة العمرية، مع سكان القدس؛ استمر في استخدام اسم إيلياء وليس القدس أو بيت المقدس؟ (المفصل في تاريخ القدس، صفحة 91).
فلو كان اسم "إيلياء" حالة مُسَلَّم بها وقتها، جيد جدًا؛ فعندما "حررها" عمر كما يدعون، أليس من المفترض أن يغير الاسم الذي وضعه المُحتل، لبيت المقدس مثلا، أو القدس، في العهدة العمرية؟
هل يعقل أن يحرر الفلسطيني الأرض المقدسة ويسميها إسرائيل مثلا، على اسم وضعه محتل، كما يقول!!؟؟ في نفس الوقت، عندما احتل اليهود مدينة القدس، هل سموها أيلياء مثلا أم "أورشليم"؟ لا بل سموها باسمها المذكور في كتابهم 767 مرة، ولم يسموها كما سماها العرب باسم لقيط! ففي الحقيقة عمر لم يغير اسم المدينة، لأنه احتلها من محتل آخر؛ وهو لا يعرف الكثير عنها، بل هي أرض غريبة بالنسبة له. ويبدو لي أنه حتى إله المسلمين لم يقدس هذه المدينة، بل ما تقديس المسلمين لها، ما هو سوى بدعة إسلامية استعمارية اختلقوها، لإعلان سيادة الإسلام على اليهودية والمسيحية!!!
هناك ثلاث فئات دينية مرتبطة بالقدس:
اليهود: لهم ارتباط تاريخي بالأرض، وارتباط ديني.
المسيحيون: ارتباط تاريخي بالأرض، وليس ديني (يوحنا 4: 21-23). لا يقصد بهذا أنه لا قدسية للأرض بالنسبة لهم. بل أنه لا يوجد أمر كتابي واضح، يفرض عليهم الحج للأرض المقدسة. لذلك قال المسيح للمرأة السامرية:
"21 قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا امْرَأَةُ، صَدِّقِينِي أَنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ، لاَ فِي هذَا الْجَبَلِ، وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلآبِ... 23 وَلكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ، وَهِيَ الآنَ، حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ، لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ. 24 اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا»" يوحنا 4.
فالمسيح أبطل مفهوم القِبلة اليهودي، والذي اقتبسه منهم المسلمون؛ وأبطل تقديس الأماكن؛ بل هو طالب أن يقبل كل إنسان يد الله الممتدة لها بخلاص المسيح، ليسكن الله في داخله، بروحه القدوس؛ ويعبده بالروح والحق. فعندما يكون الله شخصيًا ساكن في داخلك، متحد مع روحك، ما قيمة أي مكان مقدس بالمقارنة مع قيمة خالق الأماكن والعالمين ذاته، الذي يسكن فيك!!؟؟
المسلمون: لا يوجد ارتباط تاريخي، وديني ضعيف جدًا، بل تقليدي بمعظمه.
لم يكون ولا مرة نبي المسلمين في الأرض المقدسة. بل يؤمن المسلمون بأنه أسرى ليلا إلى القدس، حيث تقول الآية:
"سُبْحَانَ الَذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ" [الإسراء:1].
معظم المفسرين يقولون إنه أسرى بالجسد؛ ونفر قليل منهم، يقول أن إسرائه كان مجرد رؤيا. لكن في كلا الحالتين، القضية لا تندرج تحت إطار تاريخي، بل تحت إطار إيماني ديني تحليلي للآية، حيث لا تذكر الآية أصلا مدينة القدس!
أيضًا يؤمن المسلمون أن القبلة الأولى للمسلمين كانت نحو القدس، وذلك من الآية:
".. وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ" (البقرة 143).
ابن كثير "إنما شرعنا لك يا محمد التوجه أولا إلى بيت المقدس، ثم صرفناك عنها إلى الكعبة، ليظهر حال من يتبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممن ينقلب على عقبيه، أي: مرتدا عن دينه"
أما مصطلح "الأرض المقدسة" في القرآن، فهو متوحد في ارتباطه باليهود؛ بحسب المفسرين المسلمين:
"يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ" [المائدة: 21].
"وأَوْرَثْنَا القَوْمَ الَذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ ومَغَارِبَهَا الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا" [الأعراف: 137].
موقفنا من الصراع على الأرض المقدسة:
ونحن كمسيحيين نقف أمام صراع التهويد والأسلمة للقدس، بين اليهودي والمسلم. فتشعر نفسك داخل وخارج الصراع، وبشكل دائم. أي لا ترتاح لأي حال وأي اعتبار وأي حل وأي تفسير لأي طرف من الطرفين! وهذا شعور ربما سليم وصحيح. حيث تبين نبوءة كتابنا شيء مشابه لهذا، من جهة أورشليم:
"2 هأَنَذَا أَجْعَلُ أُورُشَلِيمَ كَأْسَ تَرَنُّحٍ لِجَمِيعِ الشُّعُوبِ حَوْلَهَا، وَأَيْضًا عَلَى يَهُوذَا تَكُونُ فِي حِصَارِ أُورُشَلِيمَ 3 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنِّي أَجْعَلُ أُورُشَلِيمَ حَجَرًا مِشْوَالاً لِجَمِيعِ الشُّعُوبِ، وَكُلُّ الَّذِينَ يَشِيلُونَهُ يَنْشَقُّونَ شَقًّا. وَيَجْتَمِعُ عَلَيْهَا كُلُّ أُمَمِ الأَرْضِ." زكريا 12.
لكن يجب أن نتذكر دائمًا أن الأرض فانية، مؤقتة لا تستحق أن نموت لأجلها؛ فنحن نعبد فقط الله، ولا نعبد الأرض. وندرك أننا غرباء ونزلاء في هذا العالم الفاسد الفاني، نعمل لأجل ملكوت سماوي دائم:
"14 لأَنْ لَيْسَ لَنَا هُنَا مَدِينَةٌ بَاقِيَةٌ، لكِنَّنَا نَطْلُبُ الْعَتِيدَةَ" عبرانيين 13.
[1] Lemche, Nies Peter (2010). The A to Z of Ancient Israel. Scarecrow Press. ISBN 978-0810875654.
[2] Theophilus G. Pinches has noted a reference to "Yabusu", which he interpreted as an old form of Jebus, on a contract tablet that dates from 2200 BCE
القدس - 3/ 5/ 2025
باسم أدرنلي