نظرة الكتاب لحركة المقاطعة لإسرائيل (BDS)
هي حركة تستخدم أسلوب المقاطعة بكافة أشكالها، الاقتصادية، الثقافية، الرياضية، السياسية...إلخ، للضغط على إسرائيل للاستجابة للقرارات الدولية. لست أتفق مع من ينادي بها من ناحية كتابية، لكن ليس هذا هو السبب في كتابتي لهذا المقال، فأني أقرأ عشرات من الأفكار يوميًا التي لا أتفق معها، ولا أكتب عنها. السبب في كتابتي لهذا المقال، هو أن بعض المفكرين ورجال الدين المسيحيين الفلسطينيين يحاولون إضفاء صبغة كتابية لهذه الحركة للأسف. ولهذا السبب وجدت حاجة ملحة لكتابة هذا المقال، لأبين مدى تضارب هذه النهج السياسي، مع كل ما يعلمه الكتاب المقدس، القديم والجديد.
إن الفكرة السابق التي تبناها الكثير من المفكرين المسيحيين الفلسطينيين الذين يروجون حركات المقاومة "السلمية" ضد الاحتلال الاسرائيلي، كنتيجة لخلط عدد من الآيات معًا بشكل معاكس لمعنى قول المسيح: "لا تقاوموا الشر"؛ وإخراج المعنى من روح تعاليم المسيح. فالمسيح عندما علم في سياق "سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ"، وقال:
"39 وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا" متى 5
لقد قصد المسيح من هذه الآية تمامًا ما قاله، "لا تقاوموا الشر"، أي أن لا يعيش المؤمن مركزًا على محاربة الشر الذي حوله، بل على شهادته تجاه ذلك الشر، عندما يأتيه. روح تعاليم المسيح، خاصة في الفقرة هذه، تعلم المؤمن اعتبار الظالم هو الضحية؛ والمؤمن المظلوم هو النور والأداة اللذان سيستخدمهما الرب لينقذ الظالم المُستعبد للشر من الظلمة. يُخرح المسيح المؤمن كليًا من دائرة الشفقة على الذات بهذه الآيات، واعتبار أن نفسه المظلومة هي التي تحتاج للرحمة. بل يعلم المسيح المؤمن العكس تمامًا، أن الظالم هو المسكين والمنكوب الذي نفسه تحتاج للرحمة؛ والتي سيكتشفها الظالم من خلال المؤمن الأمين الروحي والمُحب، من خلال تعامله معه.
لكن التفسير السابق غير منسجم مع مفهوم بعض المفكرين الفلسطينيين الذين يروجون عقلية الضحية للإنسان الفلسطيني، مركزية ذاته في نيل العدالة، والتي أحد أدواتها هي الوطنية غير الكتابية والمقاومة "السلمية"! فيستقرؤون من عبارة "لا تقاوموا الشر"، كأنها تقول "حارب الشر بالخير"!!
فهل عباة "لا تقاوموا الشر بالشر" خطأ؟ لا هي ليست خطأ، طالما لا نجعل محاربة الشر هي الهدف؛ بل مقاومة الشر بالخير، تأتي فقط عندما يفتح لنا الرب الفرصة والتوقيت المناسبين لفعل ذلك.
الخدعة والمشكلة الكبرى في هذا التعليم، هي أنه جعل مقاومة الشر كهدف من أهداف حياة المؤمن. فالمسيح يعلم عكس هذا تماما، بل حثنا أن نصلي "لا تدخلنا في تجربة" "صلوا لئلا تدخلوا في تجربة"، وليس ابحث عن الشر، وقاومه "بالخير"!!
فعندما يعلمون المؤمن أن أحد أهم أدواره، هي محاربة الشر في العالم بطرق سلمية؛ هنا الكارثة! ومن هذا النهج خرجت حركة المقاطعة ضد إسرائيل (BDS)، ظنًا منهم أنها حركة مسالمة!!
إن حركة المقاطعة هذه طبعًا ليست سلمية، وبالتأكيد ليس فيها خير، وليس لها علاقة بأي شيء علمه المسيح ولا حتى العهد القديم. فالمسيح علمنا أن نتشبه بالله بخصوص محبة من يعادينا ويؤذينا، فقال بعدما قال "أحبوا اعدائكم..":
"45 لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ" متى 5.
فعندما أنادي لقطع الخير عن "الأشرار"، أنا أقول فعليًا، أريد أن أكون عكس طبيعة الله، الذي "يُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ"!!! فالمسيح يعلمنا أن لا نقاوم الشر أصلا، بمفهوم أنه كأن دعوتنا هي التركيز على محاربة الشر "بالخير"! بل يعلمنا أن نقاوم بالخير الشر الذي يأتينا؛ بمفهوم أن نأخذ الشر الذي يسمح به الله كفرصة لنا (بحسب التوقيت الإلهي الصحيح)، لمنح الشرير فرصة للتلامس مع اليد الإلهية، ليتوب وتتغير حياته:
"15 انْظُرُوا أَنْ لاَ يُجَازِيَ أَحَدٌ أَحَداً عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ، بَلْ كُلَّ حِينٍ اتَّبِعُوا الْخَيْرَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ وَلِلْجَمِيعِ." 1 تسالونيكي 5.
يبدو لي أن مروجي حركة المقاطعة يتناسون آخر كلمة في الآية "وللجميع"، عندما قال "بَلْ كُلَّ حِينٍ اتَّبِعُوا الْخَيْرَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ وَلِلْجَمِيعِ"؛ التي تضرب مفهوم حركة المقاطعة عرض الحائط!!
لذلك قال، وهي آية مستشهد بها من العهد القديم:
"19 لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، بَلْ أَعْطُوا مَكَانًا لِلْغَضَبِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ. 20 فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ». 21 لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ." رومية 12
من الآية السابقة نتعلم عدة مبادئ روحية عن مقاومة الشر الذي يأتينا، كما يعلمنا اياها الوحي المقدس من هذه الآيات:
أولا، أحسن لمن يعاديك:
فمن قول الآية "فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ"، نتعلم أن نُحسن لمن يسيء إلينا. وهذا ينسجم أيضًا مع فقرة محبة الأعداء في متى 5، حيث يقول المسيح: "أحسنوا إلى مبغضيكم" (متى 5: 44). كيف يعلمنا الكتاب أن نحسن لمن يعادينا، وهم يروجون عكس ذلك – المقاطعة؟
ثانيًا، لا تحارب الشر أو الشرير:
أيضًا نتعلم من نفس الآية "فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ"، أن لا نعيش حياتنا لمقاومة الشر، بل نعيش للرب ونسالم الشرير، من خلال ما علمته الآية التي قبل النص "إنْ كَانَ مُمْكِنًا فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا جَمِيعَ النَّاسِ." وعندما يفتح الرب باب لنا، لمد يد الخير تجاه أعدائنا "إن جاع عدوك"، عندها نظهر له محبة الله من خلالنا، كصدمة صاعقة له "إِنْ فَعَلْتَ هذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ (من الخجل)"!! وهذا ينسف مفهوم أن المؤمن يجب يعيش لكي يقاوم الشر الذي حوله "بالخير". بل يعلمنا أن لا نقاوم الشر بل نتجنبه، تمامًا كما علمنا المسيح. لكن يجب أن نطيع الرب عندما يفتح لنا باب للوصول للشرير (إن جاع عدوك)، وذلك بيد المحبة والرحمة.
ثالثًا، لا تنسى أن إلهك حي:
من قوله "بَلْ أَعْطُوا مَكَانًا لِلْغَضَبِ..أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ"، نتعلم أن كل حركات الانتقام (بشكل "سلمي" أو عنفي)، التي نراها حولنا من الشعبين الاسرائيلي والفلسطيني، هي حركات إلحادية بشكل ضمني؛ لا تؤمن حقيقة بوجود الله (لأنها تؤكد أن إلهها لا يحرك ساكنًا)، لذلك تبحث عن طرق لتغيير الأمور بأيديها! فيجب أن لا نتشبه بهم.
رابعًا، هدف الشر هو غلبك، فلا تسمح له بهذا:
من قوله "لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ"، نرى أن هذه الآية أيضًا تعزز المعنى السابق، أن لا نبحث عن الشر لنحاربه بالخير ونغلبه؛ بل أن نقاومه فقط عندما يأتينا، ولا نسمح له يغلبنا.
لكن كيف ممكن أن يغلبنا الشر؟
يغلبنا الشر عندما لا نطيع كلمة الرب، ونتبع هذه الحركات التي تروج تعاليم عالمية إلحادية متضاربة مع الكتاب، تضفي عليها صبغة مسيحية زائفة. لذلك قال "وَمُسْتَعِدِّينَ لأَنْ نَنْتَقِمَ عَلَى كُلِّ عِصْيَانٍ، مَتَى كَمِلَتْ طَاعَتُكُمْ" (2 كورنثوس 10: 6).
نعم أخي المؤمن، تغلب الشر عندما تطيع إلهك وتعاليمه، وليس عندما تعمل ما تراه أنت مناسب.
وحتى حركة المقاطعة لإسرائيل، تتضارب مع العهد القديم!
حيث علمت حتى شريعة موسى قبل أكثر من 3400 سنة:
"4 إِذَا صَادَفْتَ ثَوْرَ عَدُوِّكَ أَوْ حِمَارَهُ شَارِدًا، تَرُدُّهُ إِلَيْهِ" خروج 23.
لم تقل الآية أنك يجب أن تضغط على عدوك اقتصاديًا، وتترك ثور شاردًا، لكي يراجع طرقه ويعدل أفعاله!!!
وأيضًا الآية السابقة من رومية 12 "20 فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ." هي أصلا من سفر الأمثال 25: 21 الذي أوحي قبل حوالي 3000 سنة!
فتصور حتى حركة المقاطعة لإسرائيل، لا تصل لمستوى أخلاقيات شعب الرب قبل 3400 سنة للأسف، أي انحطاك خلقي وفكري ولاهوتي وصلنا إليه!!!
في نهاية هذا المقال، اقول وأشدد، احترم آراء من ينادون بحركة المقاطعة لإسرائيل (BDS)، بالرغم من أنني لا أتفق معها. لكن السبب في كتابة هذا المقال، هو محاولة بعض القادة والمفكرين المسيحيين لإضفاء صبغة مسيحية وكتابية مضلة عليها! انتبه أخي وأختي، ليس للكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد أي علاقة بهذه الحركة، التي تتضارب مئة بالمئة معه.
باسم أدرنلي