كنيسة بلا جدران

كيف تمم المسيح الناموس الذي جاء به موسى؟

كما رأينا في المقال السابق، قال المسيح بالموعظة على الجبل:
"17 «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. 18 فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ" متى 5.
أخذنا في المقال السابق، تفسير عبارة "ما جئت لأنقض"؛ أما في هذا المقال، سنتناول ما الذي قصده المسيح بأنه جاء ليكمل الناموس أو الأنبياء؟؟
أولا: الرد البسيط على هذا السؤال هو أن الرسالة السماوية أُكْمِلَتْ بالمسيح. سواء كانت رسالة مكتوبة، أم مشروع خلاص عالمي تم بشكل كامل وشامع لجميع البشر. كما صرخ المسيح وهو على الصليب بآخر عبارة قالها "قَدْ أُكْمِل" (يوحنا 19: 30). لأن خدمة الأنبياء انتهت فعليًا بالمسيح. حيث كان يوحنا المعمدان آخر نبي قبل المسيح، حيث قال عنه: "لأَنَّ جَمِيعَ الأَنْبِيَاءِ وَالنَّامُوسَ إِلَى يُوحَنَّا تَنَبَّأُوا" (متى 11: 13).
ثانيًا: جاء المسيح ليتمم القسم الأكبر من النبوات التي تكلمت عنه؛ وتحققت بولادته، حياته، تعاليمه، صلبه، وقيامته، من العهد القديم. 
ثالثًا: جاء المسيح أيضًا ليتمم الناموس الذي كان قبله؛ وهو ناموس موسى، والسؤال هو: 

كيف المسيح تمم ناموس موسى؟ 
هذا سيكون موضوع هذا المقال.

(1) حقق وصية "فتحب الرب إلهك":
لقد أوحى الله على موسى أعظم وصية على قلب الله، والتي تُعتبر أساس العبادة وكل شيء روحي وحياتي للمؤمن؛ وهي:
"فَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ." تثنية 6: 5.
لكن لم يستطع الإنسان آنذاك أن يطبقها، فكيف تقدر أن تحب الله وأنت مرتعب وخائف منه؟ 
وأمَّا عندما جاء المسيح الذي فيه انتقلنا من الدينونة الخطية للحياة مع الله (رومية 5: 1). وأصبح الله أبونا، ومصدر راحتنا وسلامنا (يوحنا 1: 12). وفتح المسيح الطريق للروح القدس الذي أخذه من الآب (أعمال 2: 33)، ووهبنا إياه ليسكن فينا إلى الأبد. فعندما سكن فينا الروح القدس، وهو الله ذاته، مَكَّنَنَا من محبة الله! وبهذا تمم المسيح أعظم وصية عرفتها البشرية:
".. لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا" (رومية 5: 5).
كيف المسيح تمم وصية "فتحب الرب إلهك"، من ناحية عملية؟
أولا، من يحب الخالق يجب أن يحب الإنسان الذي خلقه: 

أيضًا كمَّل المسيح وصية "فتحب الرب إلهك" بملئها، عندما ربطها مع شرط وضرورة مَحَبَّة القريب:
"37 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. 38 هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى وَالْعُظْمَى. 39 وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: (أي التطبيق العملي لها) تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. 40 بِهَاتَيْنِ الْوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ النَّامُوسُ كُلُّهُ وَالأَنْبِيَاءُ»" متى 22.
لذلك يعلمنا الوحي أنه من ادعى أنه يحب الله، ولا يحب الناس؛ هو كاذب:
"إِنْ قَالَ أَحَدٌ: «إِنِّي أُحِبُّ اللهَ» وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ. لأَنَّ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ الَّذِي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ الَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ؟" (1 يوحنا 4: 20).
ثانيًا، إن حفظ كل الناموس دون المحبة، يظل ناقصًا وفارغًا: 
"لأَنَّ كُلَّ النَّامُوسِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يُكْمَلُ: «تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ»" (غلاطية 5: 14).
"9 لأَنَّ «لاَ تَزْنِ، لاَ تَقْتُلْ، لاَ تَسْرِقْ، لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ، لاَ تَشْتَهِ»، وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةً أُخْرَى، هِيَ مَجْمُوعَةٌ فِي هذِهِ الْكَلِمَةِ: «أَنْ تُحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ». 10 اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَصْنَعُ شَرًّا لِلْقَرِيبِ، فَالْمَحَبَّةُ هِيَ تَكْمِيلُ النَّامُوسِ" رومية 13.
فَمَثَلُ حفظ الناموس بدون الحب؛ كمثلِ زوجٍ يقوم بواجباته تجاه زوجته، لكنه لا يحبها!! فهل ستكون الزوجة راضية عليه!؟ 
لذلك يقول الوحي عن جوهرية المحبة في الزواج: "7 مِيَاهٌ كَثِيرَةٌ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْفِئَ الْمَحَبَّةَ، وَالسُّيُولُ لاَ تَغْمُرُهَا. إِنْ أَعْطَى الإِنْسَانُ كُلَّ ثَرْوَةِ بَيْتِهِ بَدَلَ الْمَحَبَّةِ، تُحْتَقَرُ احْتِقَارًا" نشيد الأنشاد 8. المحبة هي مثل الروح للجسد، بدونها الجسد ميت!! كذلك علاقات بدون حب، هي مائته؛ مجرد رسميات

(2) تمم ذبيحة الفصح!
لقد عمل الله بيد موسى فداءً عظيمًا لكل ولد أو بنت بكر فقط؛ في إطار شعب إسرائيل فقط وللجيل الذي عايشه فقط. كان هذا بعد خروج شعب إسرائيل من أرض مصر (في خروج 12). لذلك بعدما فدى الله الأبكار بدم خروف الفصح، طلب أن يُقَدَّم له الأبكار بعد فدائها تمامًا:
"1 وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً: 2 «قَدِّسْ لِي كُلَّ بِكْرٍ، كُلَّ فَاتِحِ رَحِمٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنَ النَّاسِ وَمِنَ الْبَهَائِمِ. إِنَّهُ لِي»" الخروج 13.
كان هذا كباكورة مقدسة تشكل نواة ولادة شعب إسرائيل؛ حيث قبل هذا الوقت لم يختر الله ولا بكر أبدًا!! (للمزيد من المعرفة عن هذا الموضوع، اطلع على هذا الفيديو). 
أما المسيح، فصنع فداءً أبديًا دائمًا من الخطية؛ حيث افتدى المسيح كل نفس كانت وستكون على الأرض، يهودًا وأمم، إلى آخر يوم. المسيح لم يأتي بفداء لغفران خطايانا فقط، بل لتَبْرِأتنا بالكامل أمام الله؛ لنجتاز الموت بموته وقيامته، ولنصبح أبناء الله، نعيش في أحضانه إلى الأبد. لذلك نحن أبناء لله الآن (يوحنا 1: 12)؛ وكنيسة أبكار مكتوبة أسماء شعبها في السماوات (عبرانيين 12: 23). وبهذا تمم المسيح الناموس من المستوى الجزئي الناقص، إلى الشامل الكامل.

(3) الناموس عَرَّفَ الخطية، المسيح وضع حد نهائي لها!
أن معرفة الخطية جاءتنا عن طريق الناموس بواسطة موسى؛ وأما نعمة الله وحقّه معًا التقيا وتَمَكَّنا للبشر بواسطة المسيح وصليبه:
"20 .. لأَنَّ بِالنَّامُوسِ مَعْرِفَةَ الْخَطِيَّةِ. 21 وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ ظَهَرَ بِرُّ اللهِ (حل الله الجذري لبراءة الإنسان) بِدُونِ النَّامُوسِ، مَشْهُودًا لَهُ مِنَ النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءِ، 22 بِرُّ اللهِ بِالإِيمَانِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، إِلَى كُلِّ وَعَلَى كُلِّ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ. لأَنَّهُ لاَ فَرْقَ (أي شامل كامل للجميع)" رومية 3.
"لأَنَّ النَّامُوسَ بِمُوسَى أُعْطِيَ، أَمَّا النِّعْمَةُ وَالْحَقُّ فَبِيَسُوعَ الْمَسِيحِ صَارَا" (يوحنا 1: 17)
لأنه في الصليب والفداء، اجتمع ما لا يمكن أن يجتمع أبدًا، الحق والرحمة. فهذه المعضلة لم يوجد لها حل عبر كل العصور. جميع الأديان تنادي برحمة إلهها، لكن أين عدالته إذا رحمنا!!! فإذا أخطأ إنسان، ويجب أن يدفع ثمن عقاب معين عليه؛ ورحمه إلهه، أين العدل!!؟ وإذا عاقبه أين الرحمة!! 
مثال: إذا أوقفك شرطي سير وأنت مخالف، وبحسب القانون والعدالة يجب أن يخالفك بـ 500؛ إذا سامحك، أين العدالة!!؟ وإذا خالفك، أين الرحمة!!؟ وإذا أعطاك مخالفة 250، سيكون نصف عادل ونصف رحيم. والله، الكامل الصفات، لا يوجد عنده أنصاف حلول!! لذلك يحتاج الشرطي أن يخالفك مخالفة كاملة (500)، ويخرج من جيبه الخاص 500؛ ويطلب منك أن تعاهده ألا تسرع مرة ثانية!!! 
هذا ما فعله الله عندما وضع خطايانا على ذاته؛ ليُوفر لنا بفداء المسيح، حلاً كاملاً شاملاً قانونيًا، يتوافق مع كماله في العدالة وكماله في الرحمة!! لذلك تنبأ عن هذه المعضلة سفر المزمور، قبل فداء المسيح بحوالي ألف سنة؛ حيث قال:
"9 لأَنَّ خَلاَصَهُ قَرِيبٌ مِنْ خَائِفِيهِ، لِيَسْكُنَ الْمَجْدُ فِي أَرْضِنَا. 10 الرَّحْمَةُ وَالْحَقُّ الْتَقَيَا. الْبِرُّ وَالسَّلاَمُ تَلاَثَمَا (أي تعانقا)" المزامير 85.
نعم في المسيح الرحمة والحق، أي العدل، التقيا معًا!! لقد أوجد إلهنا القدوس العظيم حلا لرحمة الإنسان بشكل كامل قانوني؛ دون أن يتعدى ذلك الحل على كماله في العدالة.
"وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُول، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيًّا" (العبرانيين 9: 12).

(4) انتصر على الموت، وفتح اجتياز الموت!
لقد أعلن الله لموسى عن قيامة الأموات كصورة نبوية باهتة لعمل المسيح المُستقبلي المُزمع أن يأتي:
"37 وَأَمَّا أَنَّ الْمَوْتَى يَقُومُونَ، فَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ مُوسَى أَيْضًا فِي أَمْرِ الْعُلَّيْقَةِ كَمَا يَقُولُ: اَلرَّبُّ إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ. 38 وَلَيْسَ هُوَ إِلهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلهُ أَحْيَاءٍ، لأَنَّ الْجَمِيعَ عِنْدَهُ أَحْيَاءٌ»" لوقا 20 (أيضًا في مرقس 12: 26-27).
وحتى موسى قد جاز عليه الموت لأنه قد ملك الموت من آدم إلى موسى:
" لكِنْ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى، وَذلِكَ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يُخْطِئُوا عَلَى شِبْهِ تَعَدِّي آدَمَ، الَّذِي هُوَ مِثَالُ الآتِي" (رومية 5: 14)
أمَّا المسيح فحقَّق القيامة ووهبنا الحياة حيث قال: "إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ." يوحنا 14: 19. لأنه وفر لنا القاعدة القانونية لاجتياز الموت؛ حيث يعتبرنا الله قد متنا عن الخطية، بجسد المسيح:
"إِذًا يَا إِخْوَتِي أَنْتُمْ أَيْضًا قَدْ مُتُّمْ لِلنَّامُوسِ بِجَسَدِ الْمَسِيحِ، لِكَيْ تَصِيرُوا لآخَرَ، لِلَّذِي قَدْ أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ لِنُثْمِرَ ِللهِ" (رومية 7: 4).
"وَإِنَّمَا أُظْهِرَتِ الآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ" (2 تيموثاوس 1: 10).

(5) حقق المسيح حل براءة الإنسان – البر:
لقد قدمت شريعة موسى حل لغفران الخطايا في ظل العهد القديم؛ وذلك عن طريق الذبائح المستمرة!
"وَكُلُّ شَيْءٍ تَقْرِيبًا يَتَطَهَّرُ حَسَبَ النَّامُوسِ بِالدَّمِ، وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!" (العبرانيين 9: 22).
وأيضًا نرى أن وحي العهد الجديد أعلن لنا سر لم يكن مُعلن من قبل؛ وهو أن الله لن يقبلنا على أساس فقط غفران، بل على أساس براءة تامة!!
الفرق بين الغفران والبر – البراءة: 
الغفران يعني أنه بعدما أعمل خطية، بشروط معينة الله يسامحني عليها. مثل السارق الذي يُحكم عليه بالسجن، وينهي زمن محكوميته؛ تكون جنحته، أو دعنا نسميها خطيته، مغفورة. لكن يكون في ملفه أنه صاحب سوابق، وسارق، لكنه مسامح. أما البريء، فهو بريء، لم يفعل أي جناية. المسيح جاء لكي يبرأنا أمام الله، وليس ليغفر خطايانا فقط!
"16 لأَنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، لأَنَّهُ قُوَّةُ اللهِ لِلْخَلاَصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ: لِلْيَهُودِيِّ أَوَّلاً ثُمَّ لِلْيُونَانِيِّ. 17 لأَنْ فِيهِ مُعْلَنٌ بِرُّ اللهِ بِإِيمَانٍ (أي فيه طرح الله أخيرًا الحل لتبرئة الإنسان!)، لإِيمَانٍ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا»" رومية 1.
لذلك شدد الوحي أن شريعة موسى لم تقدم حل البراءة للإنسان أبدًا:
"لَسْتُ أُبْطِلُ نِعْمَةَ اللهِ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِالنَّامُوسِ بِرٌّ، فَالْمَسِيحُ إِذًا مَاتَ بِلاَ سَبَبٍ!" (غلاطية 2: 21).
فلماذا الله أعطى الناموس إذًا؟ لنكون تحت مؤدب، إلى أن يأتي الحل الأبدي الذي به يبرئ الله الإنسان بالكامل!
"23 وَلكِنْ قَبْلَمَا جَاءَ الإِيمَانُ كُنَّا مَحْرُوسِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، مُغْلَقًا عَلَيْنَا إِلَى الإِيمَانِ الْعَتِيدِ أَنْ يُعْلَنَ. 24 إِذًا قَدْ كَانَ النَّامُوسُ مُؤَدِّبَنَا إِلَى الْمَسِيحِ، لِكَيْ نَتَبَرَّرَ بِالإِيمَانِ" غلاطية 3.
لأنه لا أحد في كل تاريخ عهد الناموس كله، استطاع أن يحفظه بشكل تام؛ ولم يتمكن فعليًا به أن يرضي الله:
"فَالآنَ لِمَاذَا تُجَرِّبُونَ اللهَ بِوَضْعِ نِيرٍ عَلَى عُنُقِ التَّلاَمِيذِ لَمْ يَسْتَطِعْ آبَاؤُنَا وَلاَ نَحْنُ أَنْ نَحْمِلَهُ؟" (أعمال الرسل 15: 10).

(6) حقق علامة عهد المعمودية، بدلا من العلامة الجسدية!!
لقد أظهر الله إشارة للمعمودية بواسطة موسى عن طريق السحابة والبحر؛ التي بها نجوا نجاة مؤقتة، من جيش فرعون:
"وَجَمِيعَهُمُ اعْتَمَدُوا لِمُوسَى فِي السَّحَابَةِ وَفِي الْبَحْرِ" (1 كورنثوس 10: 7).
وأمَّا المسيح فقد أتى بالمعمودية الحقيقية التي تمثل نقل الإنسان من حالة الدينونة، لحالة القيامة بالخليقة الجديدة البارة!!
"3 أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ، 4 فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ الآبِ، هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ؟ (للحياة الجديدة) 5 لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ. 6 عَالِمِينَ هذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ، كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضًا لِلْخَطِيَّةِ. 7 لأَنَّ الَّذِي مَاتَ قَدْ تَبَرَّأَ مِنَ الْخَطِيَّةِ (أي نال عقاب الموت، بموت جسده عن طريق موت جسد المسيح؛ والآن هو إنسان جديد مَبَرَّأ)" رومية 6.
لذلك استبدل في ظل العهد الجديد علامة العهد المتمثلة بالختان، بالمعمودية:
"11 وَبِهِ أَيْضًا خُتِنْتُمْ خِتَانًا غَيْرَ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، بِخَلْعِ جِسْمِ خَطَايَا الْبَشَرِيَّةِ، بِخِتَانِ الْمَسِيحِ 12 مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ، الَّتِي فِيهَا أُقِمْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ اللهِ، الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ" كولوسي 2.
لقد كان الختان هو علامة عهد الله مع شعبه في القديم. وهي علامة مقطوعة بجسد الرجال فقط، علامة محدودة بلعنة سيادة الرجل على المرأة!! لنفهم هذا، يجب أن ندرك إن سيادة الرجل على المرأة كانت أحد عواقب الخطية المذكورة في تكوين 3: 16 "وهوَ يَسودُ عليكِ". فيها يتكلم الوحي عن ظاهرة سلبية، وليس إيجابية. ليست لها أي صلة بوصية الرب للمرأة أن تخضع بشكل طوعي للرجل: "22 أَيُّهَا النِّسَاءُ اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ" (أفسس 5). وهي وصية تأت في إطار الطلب من كل طرف، أن يوفي العدل والحق للطرف المقابل (في أية أفسس 5: 21-25). وبعد حل البراءة الذي وفره المسيح للإنسان الذي افتداه؛ نرى المسيح يفتدي هذه اللعنة، حيث "لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ." (غلاطية 3: 28).
لذلك غَيَّر المسيح علامة العهد من الختان، الذي يعطي علامة في الجسد، وفقط مع الرجال؛ إلى المعمودية التي تعطي علامة بالروح وليس بالجسد (أي تُرى فقط في العالم الروحاني)؛ وهي للنساء، مثلهم مثل الرجال تمامًا.

(7) تمم الكفارة الأبدية لجميع البشر:
لقد أعطي لموسى فريضة يوم الكفارة والتي فيه يخلع الكاهن ثياب المجد الكهنوتية ويلبس ثياب من كتان بسيط، ليدخل يوم واحد في السنة فقط لقُدس الأقداس الأرضي؛ ليصنع كفارة للشعب العبراني في ذلك الوقت وبعض الأفراد من الأمم التي تعيش تحت العهد معهم، لاويين 16.
وأما المسيح فقد خلع ثياب مجده السماوية ولبس ثيابًا من كتان، أي جسدًا بشريًّا بلا خطية؛ ليصنع لنا فداءً واحدًا أبديًّا. وهذا الفداء هو لجميع البشر والشعوب من آدم إلى أخر نفس ستخلق على الأرض:
"24 لأَنَّ الْمَسِيحَ لَمْ يَدْخُلْ إِلَى أَقْدَاسٍ مَصْنُوعَةٍ بِيَدٍ أَشْبَاهِ الْحَقِيقِيَّةِ (كموسى)، بَلْ إِلَى السَّمَاءِ عَيْنِهَا، لِيَظْهَرَ الآنَ أَمَامَ وَجْهِ اللهِ لأَجْلِنَا. 25 وَلاَ لِيُقَدِّمَ نَفْسَهُ مِرَارًا كَثِيرَةً، كَمَا يَدْخُلُ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ إِلَى الأَقْدَاسِ كُلَّ سَنَةٍ بِدَمِ آخَرَ (بذبائح حيوانية). 26 فَإِذْ ذَاكَ (أي المسيح) كَانَ يَجِبُ أَنْ يَتَأَلَّمَ مِرَارًا كَثِيرَةً مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَلكِنَّهُ الآنَ قَدْ أُظْهِرَ مَرَّةً عِنْدَ انْقِضَاءِ الدُّهُورِ لِيُبْطِلَ الْخَطِيَّةَ بِذَبِيحَةِ نَفْسِهِ" العبرانيين 9.
وهنا نحتاج أن نشرح الفرق بين الكفارة والفداء:
الكفارة هي الحل القانوني، الذي يتوافق مع طبيعة الله ككامل في الرحمة وكامل في العدالة؛ التي قدمها الله لجميع البشر:
"1 يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا. وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ. 2 وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا" 1 يوحنا 2.
أما الفداء، فهو من نصيب كل من يتوب عن خطاياه، ويقبل يد الله الممتدة له عن طريق الكفارة التي قدمها الله من أجله بالمسيح يسوع:
" كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ»" (متى 20: 28)
نلاحظ في الآية، "فدية عن كثيرين"، وليس لكل فداءً لكل العالم كالآية التي قبلها. فالفداء ليس لجميع البشر؛ بل للتائبين، والذين يقبلون كفارة المسيح لأجلهم، ويدخلون في عهد معه!
"لأَنَّ نَامُوسَ رُوحِ الْحَيَاةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَدْ أَعْتَقَنِي مِنْ نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ وَالْمَوْتِ" (رومية 8: 2).

(8) أعطانا قُدومًا لقدس الأقداس السماوي:
لقد أتى موسى بخيمة الاجتماع التي ترمز لحضور الله المكاني والزمني، والتي كانت فقط كظل للمسكن السماوي الحقيقي:
"3 لأَنَّ كُلَّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ يُقَامُ لِكَيْ يُقَدِّمَ قَرَابِينَ وَذَبَائِحَ. فَمِنْ ثَمَّ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِهذَا أَيْضًا شَيْءٌ يُقَدِّمُهُ. 4 فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الأَرْضِ لَمَا كَانَ كَاهِنًا، إِذْ يُوجَدُ الْكَهَنَةُ الَّذِينَ يُقَدِّمُونَ قَرَابِينَ حَسَبَ النَّامُوسِ، 5 الَّذِينَ يَخْدِمُونَ شِبْهَ السَّمَاوِيَّاتِ وَظِلَّهَا، كَمَا أُوحِيَ إِلَى مُوسَى وَهُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَصْنَعَ الْمَسْكَنَ. لأَنَّهُ قَالَ: «انْظُرْ أَنْ تَصْنَعَ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ الْمِثَالِ الَّذِي أُظْهِرَ لَكَ فِي الْجَبَلِ (لما رآه في السماء)»" العبرانيين 8.
أي أن موسى صنع مسكنًا أرضيًا مشابه للمسكن السماوي الذي رآه. أما المسيح، فدخل للمسكن السماوي، ذاته ليبرئنا!
"1 وَأَمَّا رَأْسُ الْكَلاَمِ فَهُوَ: أَنَّ لَنَا رَئِيسَ كَهَنَةٍ مِثْلَ هذَا، قَدْ جَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ الْعَظَمَةِ فِي السَّمَاوَاتِ 2 خَادِمًا لِلأَقْدَاسِ وَالْمَسْكَنِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي نَصَبَهُ الرَّبُّ لاَ إِنْسَانٌ" العبرانيين 8.
وليس هذا فقط، بل عن طريق دخول المسيح لقدس الأقداس السماوي، الحقيقي؛ مَكَّن كل مؤمن للدخول بشكل مباشر لقدس الأقداس السماوي؛ لعرش الآب:
"19 فَإِذْ لَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ ثِقَةٌ بِالدُّخُولِ إِلَى «الأَقْدَاسِ (السماوي)» بِدَمِ يَسُوعَ، 20 طَرِيقًا كَرَّسَهُ لَنَا حَدِيثًا حَيًّا، بِالْحِجَابِ، أَيْ جَسَدِهِ" العبرانيين 10.
وليس هذا فقط، بل بفداء المسيح أصبح الله شخصيًا يسكن فينا؛ "عمانوئيل"، الله معنا إلى الأبد وفي كل لحظة ومكان (متى 1: 23  و28: 20).
بهذه النقاط الثمانية الأساسية، تمم المسيح ناموس موسى؛ مبارك اسمك أيها الرب العظيم.

القدس - 20/ 12/ 2025
باسم أدرنلي

 
62 مشاهدة