كنيسة بلا جدران

الفرق الشاسع بين حكم شريعة موسى، وحكم شرع إسلامي!

إن حكم الله على بني إسرائيل في ظل شريعة موسى، كان قائمًا على أربع أعمدة أساسية. إن فُقِدت واحدة منها، يتحول الحكم لحكم بشري، بقناع ديني وليس حكم الله على الشعب. هذه الأعمدة كما يلي:

1- الله الذي يختار القائد:
"15 فَإِنَّكَ تَجْعَلُ عَلَيْكَ مَلِكًا الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ إِلهُكَ. مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِكَ تَجْعَلُ عَلَيْكَ مَلِكًا. لاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَجْعَلَ عَلَيْكَ رَجُلاً أَجْنَبِيًّا لَيْسَ هُوَ أَخَاكَ" تثنية 17.
بينما في كل التاريخ الإسلامي، كان اختيار القائد هو بشري بحت. لذلك الشيعة يختلفون مع أهل السنة في أول ثلاث خلفاء راشدين، ويختلفون في مُعظم الصحابة لدى أهل السنة!! والسبب في هذا هو بشرية الاختيار. فضلا عن أن كل هذه المرحلة غير مشمولة بوحيهم الضيق، بحسب القرآن؛ وكتب السنة والسير، مختلف فيها جميعًا. أما اختيار القادة بحسب وحي الكتاب المقدس، فهو قائم في ذات الوحي. حيث نرى اختيار الله لموسى وهارون، القضاة السبعين، يشوع، وكيف كل القضاة في سفر القضاة، اختارهم الله. إلى أن طلب الشعب ملك بشري ورفضوا مُلك الله عليهم (1 صموئيل 8: 1-7)؛ حيث أيضًا اختار الله الملوك شاول وداود. بعدها بدأنا نرى ابتعاد الشعب عن الله ورفضه لمُلك الله؛ وبدأ الله يرفض تطبيق أحكام شريعة موسى على الشعب. وأيضًا نرى عبقرية الوحي لدى الله في العهد الجديد، حيث كل تاريخ الكنيسة الأولى، مشمول أيضًا في نفس ذات الوحي؛ والمسيح شخصيًا اختار الجيل الأول من التلاميذ. لذلك لا يمكن أن تجد أي خلاف على أي تلميذ من تلاميذ المسيح. وحتى بولس، لم يكن عليه أي خلاف، بين جميع الطوائف المسحية عبر كل العصور. بخلاف المسلمين المختلفين في كل شيء: في اسم الله الأعظم، سيرة نبيهم محمد ومكانته، الصحابة، آل البيت، الصلاة، القرآن، السنة...إلخ. ففي المسيحية وضوح تام، بالمفارقة مع الإسلام المختلف فيه، في أكثر الأساسيات البديهية لدى أي دين، إلى أعقدها!

2- الله الذي يوضح الأمور (يفتي):
"15 فَقَالَ مُوسَى لِحَمِيهِ: «إِنَّ الشَّعْبَ يَأْتِي إِلَيَّ لِيَسْأَلَ اللهَ.." خروج 18.
ففي شريعة موسى، الله متصل مع الشعب بشكل مستمر؛ وهو الذي يوضح الأمور بحسب المستجدات، وليس البشر واجتهادهم المعرض للفساد والتحزير!

3- الله الذي يشرف على تطبيق الشريعة والقضاء:
"9 فِي كُلِّ دَعْوَى جِنَايَةٍ، مِنْ جِهَةِ ثَوْرٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ مَفْقُودٍ مَا، يُقَالُ: إِنَّ هذَا هُوَ، تُقَدَّمُ إِلَى اللهِ دَعْوَاهُمَا. فَالَّذِي يَحْكُمُ اللهُ بِذَنْبِهِ، يُعَوِّضُ صَاحِبَهُ بِاثْنَيْنِ" خروج 22.
وحتى القضاة السبعين الذين عينهم الله ليقضوا مع موسى. كان عليهم روح الله، فكانوا يقضون بالنبوءة، فلا توجد أي احتمالية للخطأ:
"24 فَخَرَجَ مُوسَى وَكَلَّمَ الشَّعْبَ بِكَلاَمِ الرَّبِّ، وَجَمَعَ سَبْعِينَ رَجُلاً مِنْ شُيُوخِ الشَّعْبِ وَأَوْقَفَهُمْ حَوَالَيِ الْخَيْمَةِ. 25 فَنَزَلَ الرَّبُّ فِي سَحَابَةٍ وَتَكَلَّمَ مَعَهُ، وَأَخَذَ مِنَ الرُّوحِ الَّذِي عَلَيْهِ وَجَعَلَ عَلَى السَّبْعِينَ رَجُلاً الشُّيُوخَ. فَلَمَّا حَلَّتْ عَلَيْهِمِ الرُّوحُ تَنَبَّأُوا، وَلكِنَّهُمْ لَمْ يَزِيدُوا (أي نبوتهم كانت فقط في سياق القضاء)" العدد 11.
بخلاف ما يسميه المسلمين تطبيق الحدود، ما هو إلا حكم بشري عضوض، له قناع ديني. يحكم فيه بشر هم بأنفسهم، غير محاسبين ولا توجد آلية لمحاسبتهم. وهذا يأخذنا للنقطة الرابعة.

4- الله الذي يحاسب القادة، الكهنة والقضاة مباشرة:
"1 وَأَخَذَ ابْنَا هَارُونَ: نَادَابُ وَأَبِيهُو، كُلٌّ مِنْهُمَا مِجْمَرَتَهُ وَجَعَلاَ فِيهِمَا نَارًا وَوَضَعَا عَلَيْهَا بَخُورًا، وَقَرَّبَا أَمَامَ الرَّبِّ نَارًا غَرِيبَةً لَمْ يَأْمُرْهُمَا بِهَا. 2 فَخَرَجَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ وَأَكَلَتْهُمَا، فَمَاتَا أَمَامَ الرَّبِّ" لاويين 10.
فنرى في هذه الآيات نموذج، يبين لنا كيف الله أمات ناداب وأبيهو أولاد هارون؛ عندما قدما نارًا غريبة للرب!
* الله عاقب موسى وهارون على خطأهما، ولم يدخلهما للأرض (تثنية 32: 51-52).
* فضح شر وخطية عَخَان أمام جميع الشعب، وعاقبه عليها (يشوع 7: 7).
* حاسب وأمات حفني وفنحاس أولاد عالي الكاهن، اللذان كانا يعيشان في الشر (1 صموئيل 4: 10-11).
* الله فضح الملك أخآب على اختصابه لحقل نابوت واغتياله له؛ وأماته بنفس الطريقة المُذلة أمام جميع الشعب (1 ملوك 21: 19).
* كذلك الملك داود، عندما زنى مع بثشبع، وأخذها لذاته، وهي متزوجة من أوريا الحثي. فضحه الله وعاقبه، مُنَزِّلا عليه وعلى بيته خمس ضربات صعبة جدًا (2 صموئيل 12: 7-12).
فشتان بين الأصل، وهو حكم الله شخصيًا على شعبه في الكتاب المقدس؛ وبين حكم شريعة بشرية مزعومة، الله بريء من شرها وظلمها. ففي شريعة موسى، عندما يحكم الله على شخص، هو حكم إلهي بحت، لا حوار فيه. كموت إنسان فجئةً بسكتة قلبيه مثلا، لا نقاش فيه؛ هو حكم إلهي 100٪، دون أي أصبع بشري. هكذا كان حكم الله على شعبه في شريعة موسى.

إلا يكفي حكم الشريعة الإلهية وحدها؟
أما الاعتماد على الشريعة الإلهية وحدها في التطبيق غير كافية إطلاقًا. لأنه كيف يصح تطبيق شرع الله، وإقناع نفسك بأن تطبيقه صحيح وسليم وإلهي، دون وجود ولا نقطة من القواعد الأربعة أعلاه!؟ فجميع الأعمدة الأربعة الواردة في شريعة موسى، ليس لها وجود في إسلام اليوم، ولا في يهودية اليوم، ولا في حكم الكنيسة الديني في العصور الوسطى... إلخ. طبعًا هذا لا يعني أن استخدام الشريعة كقيم ومبادئ تأثر إيجابيًا على الحكم، السياسة، التربية والمجتمع، هي شيء سيء! بالطبع لا. لكن دون أن يخدع الإنسان نفسه بأنه إذا طبق "شرع الله"، وهو إنسان ناقص وفاسد وذات نفس أمارة بالسوء؛ ستكون هي الحل، وسيكون حكم الله على الأرض فعلا!! بل سيكون حكم بشري ناقص وفاسد ذات قناع أو صبغة إلهية دينية زائفة. فشرع الله يطبَّق، عندما الله نفسه يحكم على الإنسان بذاته، بواسطة أنبياءه، كهنته وقضاته. أما نصوص الشريعة التي نستنبط منها القيم الأخلاقية، فهي طبعًا جوهرية جدًا لضبط مسار الشعب الأخلاقي فقط.
مثال: إذا أراد صاحب مصلحة تجارية مثلا، أن يترك مصلحته بيد موظفين. لا يقول لك: 
"أنا وضعت لهم قوانين كاملة وواضحة، وهي كافية لتسيير المصلحة بشكل كامل بعيد عن الفساد!!" 
كلام ساذج سيضحك عليه أسوأ رجل أعمال! فالقوانين المتكاملة (وحتى لو افترضنا أنها وجدت، وهذا مستحيل!) هي ليست العنصر الوحيد الذي سيضمن تسيير المصلحة بشكل كامل خالي من الفساد. بل يجب بالإضافة للقوانين، أن يُشرف صاحب المصلحة على الموظفين بذاته، هل يطبقون القوانين التي وضعها أم لا؛ يحاسب الفاسدين، ويكافئ الأمناء...إلخ. هكذا كانت شريعة موسى بالضبط، قائمة بإشراف الله ذاته عليها شخصيًا! فشتان بين النسخة الزائفة الفاسدة والنسخة الحقيقية الكاملة العظيمة.

القدس - 14/ 10/ 2025
باسم أدرنلي
 

 
240 مشاهدة