كنيسة بلا جدران

كيف يأمر الله بقتل النساء والأطفال، ويناقض نفسه بتعاليم الإنجيل

إن هذا الاعتراض أتى من رؤيتنا لوصايا صعبة من جهة الله، مثل: 
"وَحَرَّمُوا كُلَّ مَا فِي الْمَدِينَةِ مِنْ رَجُل وَامْرَأَةٍ، مِنْ طِفْل وَشَيْخٍ، حَتَّى الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْحَمِيرَ بِحَدِّ السَّيْفِ" (يشوع 6: 21).
" فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وَامْرَأَةً، طِفْلاً وَرَضِيعًا، بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلاً وَحِمَارًا»" (صموئيل الأول 15: 3).
وهنا قضية الناقد، كيف يأمر الله بقتل النساء الأطفال!! ما ذنب الأطفال وكل من هو بريء؟
للإجابة على هذا التساؤل المنطقي، نقول الآتي:

أولا: إن قضاء الله الذي أمر به موسى للشعب، ليست له علاقة بنشر دين أو آلية توسع لشعب الله ضد الكفار، كما تعلم ديانات أخرى.  بل مرتبط بعقاب الله لشعوب أرض كنعان، بسبب خطاياهم. لذلك قال الله لموسى في عدد 12 "وَبِسَبَبِ هذِهِ الأَرْجَاسِ، الرَّبُّ إِلهُكَ طَارِدُهُمْ مِنْ أَمَامِكَ" (راجع تثنية 18: 9-12).  فلم تكن دعوة لنشر دين، لأن الله لا يحتاج لفتوحات ليفعل هذا، فالله فعل هذا بقوته المعجزية فقط دائمًا، فهو الله كلي القدرة! كما قالت أحد نساء أريحا الوثنيات، للاسرائيليين اللذين أتيا ليستكشفا الأرض: "9 ... «عَلِمْتُ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَعْطَاكُمُ الأَرْضَ، وَأَنَّ رُعْبَكُمْ قَدْ وَقَعَ عَلَيْنَا، وَأَنَّ جَمِيعَ سُكَّانِ الأَرْضِ ذَابُوا مِنْ أَجْلِكُمْ، 10 لأَنَّنَا قَدْ سَمِعْنَا كَيْفَ يَبَّسَ الرَّبُّ مِيَاهَ بَحْرِ سُوفَ قُدَّامَكُمْ عِنْدَ خُرُوجِكُمْ مِنْ مِصْر .َ.." يشوع 2.

ثانيًأ: إن واحدة من أهم الأخطاء التي يعاني منها الكثير من النقاد، هي أنهم يعتبرون أن حقوق الله مساوية تمامًا لحقوق البشر!!  فيفترضون أنه بما أنها جريمة لإنسان أن يقتل إنسان آخر، إذًا هي جريمة لله أن يأخذ حياة البشر!!!  لكن لله الحق أن يعطي الحياة، وأن يأخذها أيضًا: 
"10 الَّذِي بِيَدِهِ نَفَسُ كُلِّ حَيٍّ وَرُوحُ كُلِّ الْبَشَرِ" (أيوب 12). 
"21.. الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ، فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا" (أيوب 1). 
فالله استخدم شعبه ليدين ويجازي الشعوب التي في أرض كنعان، بحسب توقيت إلهي حكيم. حيث الله أعلن هذا كنبوءة لإبراهيم أن شعب إسرائيل سيأتي ويدخل أرض كنعان من جديد، بعدما يتغربوا في مصر لمدة أكثر من 400 سنة:
"وَفِي الْجِيلِ الرَّابعِ يَرْجِعُونَ إِلَى ههُنَا، لأَنَّ ذَنْبَ الأَمُورِيِّينَ لَيْسَ إِلَى الآنَ كَامِلاً»" (التكوين 15: 16).
ومن هذا النص لغاية بداية دخول شعب إسرائيل لأرض كنعان؛ نرى أن الله صبر على شعوب أرض كنعان (الأموريين)؟ 670 سنة (وذلك بحسب biblehub.com/timeline)!!! وأيضًا عملية تأديب الشعوب في أرض كنعان، لم تكن هي الفصل الأول من حملة الله التأديبية التي ولدت شعب إسرائيل. حيث بدأت بإعلان قضاء الرب العادل على أرض مصر وكل آلهتها، بعشر ضربات (راجع خروج 5-12). وأيضًا الله أجرى قضاءه العادل على نفس شعب إسرائيل بالبرية، عدة مرات؛ كان آخرها، إفناء جيل كامل من الشعب في البرية (تثنية 1: 35 و2: 14).

وهذا يقودنا للنقطة القادمة التي تجيب على أهم سؤال: 
ما الذي يؤكد أن الله هو من أمر شعبه بهذا القضاء فعلا، وليس مجرد ادعاء بشر؟؟ 

أولا: نرى من النصوص أن الله أكد لشعبه ولجميع الشعوب أنه هو شخصيًا وراء هذه العملية؛ فيبس مياه نهر الأردن من أمام يشوع والشعب، لكي يعبروا دون أن يبلوا أرجلهم: 
"10 ثُمَّ قَالَ يَشُوعُ: «بِهَذَا تَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ الْحَيَّ فِي وَسَطِكُمْ, وَطَرْداً يَطْرُدُ مِنْ أَمَامِكُمُ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ.." (راجع يشوع 3: 10-17). 
ليعلم الشعب وباقي الشعوب، خاصة أهل كنعان أنفسهم؛ أن القضية هي ليست أن يشوع أتى وادعى أن الله أمره أن يحارب الكفار.  كلا وألف كلا، بل الله شخصيًا أكد لجميع الشعوب، أنه هو القائم وراء هذه العملية، لإدانة جميع الشعوب الساكنة في أرض كنعان، لأن القضية تختص بمصير شعوب، ولا تحتمل أي شك أو ادعاءات غير مبرهنة.

ثانيًا: الله حدد لشعب إسرائيل الأرض بالتدقيق؛ لأن دخولهم لها، كان مرتبط بعقاب شعوب الأرض، فقال لهم قبل دخول الأرض: "4 وَأَوْصِ الشَّعْبَ قَائِلاً: أَنْتُمْ مَارُّونَ بِتُخُمِ إِخْوَتِكُمْ بَنِي عِيسُو السَّاكِنِينَ فِي سَعِيرَ (قرب الخليل) فَيَخَافُونَ مِنْكُمْ. فَاحْتَرِزُوا جِدّاً. 5 لا تَهْجِمُوا عَليْهِمْ. لأَنِّي لا أُعْطِيكُمْ مِنْ أَرْضِهِمْ وَلا وَطْأَةَ قَدَمٍ ... 9 «فَقَال لِي الرَّبُّ: لا تُعَادِ مُوآبَ (الكرك) وَلا تُثِرْ عَليْهِمْ حَرْباً لأَنِّي لا أُعْطِيكَ مِنْ أَرْضِهِمْ مِيرَاثاً.." تثنية 2 (إرجع لسفر يشوع 15، هناك وصف دقيق لحدود الأرض التي سمح الله لشعب إسرائيل أخذها، بأقصى درجات الدقة والتحديد). فلم يدعوهم الله للقتال والتوسع غير المحدود لينشروا دينه كما قلنا.

ثالثًا: الله ليست له معايير مزدوجة فتعامل مع شعبه كما تعامل مع شعوب أرض كنعان؛ وفي الواقع أدان الله شعبه ونقاهم في البرية قبل أن يستخدمهم كأداة لإدانة شعوب أرض كنعان.
فأوصى أيضًا موسى الشعب أن يعمل نفس الشيء إذا خرج عبدة أوثان يهود في أي مدينة في وسطهم:
"12 إِنْ سَمِعْتَ عَنْ إِحْدَى مُدُنِكَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ لِتَسْكُنَ فِيهَا قَوْلاً: 13 قَدْ خَرَجَ أُنَاسٌ بَنُو لَئِيمٍ مِنْ وَسَطِكَ وَطَوَّحُوا سُكَّانَ مَدِينَتِهِمْ قَائِلِينَ: نَذْهَبُ وَنَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى لَمْ تَعْرِفُوهَا....15 فَضَرْبًا تَضْرِبُ سُكَّانَ تِلْكَ الْمَدِينَةِ بِحَدِّ السَّيْفِ، وَتُحَرِّمُهَا بِكُلِّ مَا فِيهَا مَعَ بَهَائِمِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ" تثنية 13.
فالرب يعطي الحياة، وهو الوحيد الذي له سلطان على على أخذها؛ وتعامل مع شعبه بنفس المعايير التي تعامل بها مع باقي الشعوب. وهذه الخلقيات لله الحقيقي هنا، لن تجدها في أي ديانة أو مذهب عبر كل العصور؛ وهي دليل قاطع على أن الله الموحي بها فعلا. فدائمًا الديانات المزيفة، تعطي ذاتها امتيازات فوق غيرها؛ وتميز ذاتها، دون حسيب أو رقيب، صالحة أم طالحة، لأنه ليس لله علاقة بها!! فحاشا أن يكون الله هكذا، بل هو عادل وكامل، ليس عنده تمييز أو محاباه.

رابعًا: عندما لم يطع شعب إسرائيل الله، أوقف تلك العملية وقال لشعبه، أنه سوف لا يطرد باقي الشعوب من الأرض ولن يسمح لهم بأن يمسوهم من ذلك الحين؛ لأن طردهم وتحريمهم لم يكن هدف بحد ذاته.  وعندما تغيرت الخطة، بسبب تمرد شعب إسرائيل، ألله أعلن لشعبه أنه غيرها، بأن ملاكه شخصيًا وقف أمام جميع الشعب وكلمهم بهذا الأمر: 
"1 وَصَعِدَ مَلاَكُ الرَّبِّ مِنَ الْجِلْجَالِ إِلَى بُوكِيمَ وَقَالَ: «قَدْ أَصْعَدْتُكُمْ مِنْ مِصْرَ وَأَتَيْتُ بِكُمْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَقْسَمْتُ لآِبَائِكُمْ، وَقُلْتُ: لاَ أَنْكُثُ عَهْدِي مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ. 2 وَأَنْتُمْ فَلاَ تَقْطَعُوا عَهْداً مَعَ سُكَّانِ هَذِهِ الأَرْضِ. اهْدِمُوا مَذَابِحَهُمْ. وَلَمْ تَسْمَعُوا لِصَوْتِي. فَمَاذَا عَمِلْتُمْ؟ 3 فَقُلْتُ أَيْضاً: لاَ أَطْرُدُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ بَلْ يَكُونُونَ لَكُمْ مُضَايِقِينَ، وَتَكُونُ آلِهَتُهُمْ لَكُمْ شَرَكاً». 4 وَكَانَ لَمَّا تَكَلَّمَ مَلاَكُ الرَّبِّ بِهَذَا الْكَلاَمِ إِلَى جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ الشَّعْبَ رَفَعُوا صَوْتَهُمْ وَبَكُوا" قضاة 2.  
فلم يأت يشوع مرة أخرى مدعيًا بأن الله أمره ألا يطرد الشعوب فقط؛ أو أن ملاك الرب ظهر له وقال له هذا!!  بل أكد الله هذا بشكل معجزي أمام جميع الشعب بواسطة ملاكه مباشرة!! لكيلا يترك أي ذرة شك في إرادة الله. فلأن القضية تختص بمصير شعوب، أكدها الله بشكل قاطع لا يحتمل أي شك. وهذا لن تراه في أي حرب دينية عبر كل العصور والديانات، المتخيلة طبعًا.

خامسًا: من جهة الاحتمال الأول في النصوص أعلاه؛ وهو أن تسالم المدينة شعب إسرائيل، لم يحدث هذا ولا مرة، فهذا أيضًا احتمال غير وارد في الأحداث التي يدونها الوحي، إلا الحويين:
"19 لَمْ تَكُنْ مَدِينَةٌ صَالَحَتْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ الْحِوِّيِّينَ سُكَّانَ جِبْعُونَ، بَلْ أَخَذُوا الْجَمِيعَ بِالْحَرْبِ" يشوع 11.

باسم أدرنلي

8132 مشاهدة