الآيات: "5 لاَ يَقِفُ الْمُفْتَخِرُونَ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ. أَبْغَضْتَ كُلَّ فَاعِلِي الإِثْمِ. 6 تُهْلِكُ الْمُتَكَلِّمِينَ بِالْكَذِبِ. رَجُلُ الدِّمَاءِ وَالْغِشِّ يَكْرَهُهُ الرَّبُّ"
الاعتراض: كيف تدعون عن الله بالكذب أنه يحب الجميع، وهنا بوضوح يعلن أن الله يبغض فاعلي الاثم ورجال الدماء والغش؟
الرد: إن الآية الثانية، لو فهمها المعترض، سيجد أنها توضح المعنى للآية الأولى. فالآية الأولى تقول "أبغضت فاعلي الاثم" الكلمة هنا هي "שָׂנֵאתָ سنيتا"، أي أبغضت؛ وهي مطروحة بصيغة فكر داود عن شعور الرب تجاه فاعلي الاثم (بغض النظر صحيح أم خطأ، سنشرح هذه الفكرة لاحقًا).
لكن ما المقصود بهذه العبارة بشكل دقيق؟
تفسر المقصود في آية 5، الآية 6؛ حيث تقول "رَجُلُ الدِّمَاءِ وَالْغِشِّ يَكْرَهُهُ الرَّبُّ"، الكلمة المستخدمة هنا هي "יְתָעֵב يِتَعِبْ"، أي يثير امتعاض الرب. وهي تفسر فكرة داود المغلوطة الأولى، أن الله يبغض أفعال الأشرار، القتل والغش؛ ولا يبغض الأشرار ذاتهم كبشر. بل بالعكس، يريد لهم الخير دائمًا:
"23 هَلْ مَسَرَّةً أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ؟ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. أَلاَ بِرُجُوعِهِ عَنْ طُرُقِهِ فَيَحْيَا؟" حزقيال 18.
والتفسير البسيط هنا هو: داود يقول إن الله يبغض الأشرار، وبعدها يقول أقصد يمتعض من سلوك الأشرار؛ أي يفسر القصد. لكن هل داود في الآية الأولى أخطأ في التعبير؟
(لفهم القضية، اقرأ التفسير الموسع)
في هذا المزمور، يعبر داود عن ظنه أن الله يبغض الأشرار! لكن في نفس الوقت، يبدي داود في الآية 7 التي بعدها، عدم تجرأه بأن يقول أنه أفضل من الأشرار؛ لا سلوكًا ولا أخلاقًا!! لأن الله وحده هو الذي يدين ويحكم على البشر وليس الإنسان!! فنجد داود يعلن أن الذي يميزه عن الأشرار، هو أن باب الرحمة مفتوحٌ له في هيكل الله دائمًا، دون أن يتجرأ أن يحكم عليهم، حيث يقول:
"7 أَمَّا أَنَا فَبِكَثْرَةِ رَحْمَتِكَ أَدْخُلُ بَيْتَكَ. أَسْجُدُ فِي هَيْكَلِ قُدْسِكَ بِخَوْفِك."
فمن خلال الاستنارة التي ألهم بها الله داود، كرد على خطأ تقديره، نتعلم أمرين:
أولاً: أن المؤمن أفضل من غير المؤمن ليس على أساس أعماله، بل على أساس رحمة ونعمة الله المتاحة له كل الوقت. لأنه قرر أن يعيش حياة الإيمان والطاعة مع الله، سيجد نفسه دائمًا مُحاطًا برحمته.
ثانيًا: نتعلم من ردة فعل الله أيضًا من خلال الآية 8، أن التغيير والحل من جهة التعامل مع الأشرار، هو التغيير الداخلي، الذاتي. أي الحل يبدأ فيَّ أنا وليس في الأشرار!! لذلك يتابع دواد في الصلاة ويقول:
"8 يَا رَبُّ، اهْدِنِي إِلَى بِرِّكَ بِسَبَبِ أَعْدَائِي. سَهِّلْ قُدَّامِي طَرِيقَكَ" مزمور 5.
ونرى بعدها أن داود يتوقف عن قوله أن الله يبغض الأشرار، أو حتى يحب الصديقين؛ معلنًا أن جميع البشر خطاة. ويعلن صلاح الله، حبه للصلاح، بغضه للشر، وعدم قبوله للظلم. وإعلان ثقته بسلطان الله التام الصادق العادل الأمين، ليدين الشر في وقته (الأعداد 9-12).
تفسير موسع:
تعامل المعترض مع سفر الصلوات، المزامير، بهذه الطريقة، هو خطأ ومرفوض. وذلك لسبب أساسي؛ وهو أن سفر المزامير هدفه أن يعلمني كيف أصلي؛ وأحد أعمدة الصلاة الصحية، هو أن يسكب الإنسان المُصلي قلبه المتألم بصدق أمام الرب. وذلك طاعة لكلمة الله القائل، في نفس سفر المزامير:
"اسْكُبُوا قُدَّامَهُ قُلُوبَكُمْ. اَللهُ مَلْجَأٌ لَنَا" مزمور 62: 8.
وعندما يسكب الإنسان المُصلي المتألم قلبه بصدق أمام الله؛ أحيانًا تخرج من فمه أشياء غير صحيحية، حتى في الكثير من الأحيان، أمور قبيحة! لكن دائمًا، بعد سكب الإنسان التحديات والأم والمرارة التي في قلبه، والتي قد تحمل أمورًا خطأ؛ نتتبع في نفس المزمور رد الله على أقواله. هذه هي الخلاصة للقضية؛ وهذا الركن من الكتاب المقدس من الأركان العشر المجيدة العظيمة التي يحويها، يسمى بـ "شهادات الرب".
مثلا هل الله يتفق مع فكر قلب داود، عندما يقول:
"21 أَلاَ أُبْغِضُ مُبْغِضِيكَ يَا رَبُّ، وَأَمْقُتُ مُقَاوِمِيكَ؟ 22 بُغْضًا تَامًّا أَبْغَضْتُهُمْ. صَارُوا لِي أَعْدَاءً." مزمور 139.
هل الله يحث داود بأن يبغض أعدائه، لدرجة أن يعاديهم!!؟؟
الجواب: بالطبع لا. حيث لم نر أي نوع من الكراهية ولا في حياة ولا سلوك داود في أي حدث من حياته!
فعندما نتتبع ردة فعل الله على قول داود، وعادة نراه من خلال نفس المُصلي المُوحى له، بعد تعامل الله مع قلبه. يكشف الوحي ردة فعل الله عن طريق قول داود بعدها، كما يلي:
"23 اخْتَبِرْنِي يَا اَللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي 24 وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ، وَاهْدِنِي طَرِيقًا أَبَدِيًّا" مزمور 139.
فنرى ردة فعل الله على قوله، من خلال داود نفسه؛ أن قلبه يحتاج للفحص الإلهي والتغيير، وليس مُبغضي الرب، كما سماهم! وفي هاتان الآيتان، نجده يتوب لله على فكر قلبه الخطأ. وكأنه يقول: "لن أدين أو أكفر الأشرار، بل المشكلة في أنا؛ أنا قلبي يحتاج لفحص وتوبة"!!
هل هناك أي مذهب في العالم أو أي دين، يحمل هذه الفضائل!!؟؟
إذًا ليس كل ما يُعَبِّر عنه إنسان الله في المزامير أو الصلوات بما يشعر به، يوافق عليه الله. لذلك المهم لنا هو، تتبع ردة فعل الله على أقوال البشر. كذلك أقوال رجال الله مثلا أيوب، ليس كل ما يقوله صحيحًا، والله في نهاية السفر يرد عليه، ويوضح له أخطائه. هذه هي خلاصة الوحي. حيث يعلمنا أن نسكب قلبنا بصدق أمام الله، ولا نمثل أمامه (كالديانات الوثنية)، لأنه يعرف ما في قلبنا:
"4 لأَنَّهُ لَيْسَ كَلِمَةٌ فِي لِسَانِي، إِلاَّ وَأَنْتَ يَا رَبُّ عَرَفْتَهَا كُلَّهَا" المزامير 139.
وفي نفس الوقت ندرك، أن أحد أركان كلمة الله العظيمة الشاملة هو، أنها تحمل حوار مستمر بين البشرية الله، بهدف إظهار ردود الله على أسئلة البشر، وردود أفعال الله على الأحداث وتصرفات الإنسان.
باسم أدرنلي
الآيات: "23 اِسْتَيْقِظْ! لِمَاذَا تَتَغَافَى يَا رَبُّ؟ انْتَبِهْ! لاَ تَرْفُضْ إِلَى الأَبَدِ."
الاعتراض: أليست هذه آية مهينة لله وتنسب له النوم، والعياذ بالله!؟
الرد: الكتاب المقدس أخي الكريم لم يكتب بصيغة المونولوغ كالقرآن (أي كلام من "الله" للإنسان باتجاه واحد فقط). فوحي الكتاب الوحي المقدس حوار مستمر بين البشرية والله. الإنسان يرفع أمام الله: تساؤلات، صراخ، أحداث، طغيان، شر، فساد، ألم، ظلم، أمانة، إيمان، صلاح...إلخ. وفي المقابل، يطرح لنا الوحي ردود الله على جميع ما سبق. وبهذا يجعل الله وحيه، فعال، حيوي، وعملي لحياة البشر في كل الأزمنة والأوقات. وخاصة في الأسفار النبوية وأسفار الحكمة الشعرية، كالمزامير. الوحي يحث الإنسان بأن يسكب قلبه قدام الله بصدق تام: بقباحته وإثمه وغضبه؛ وطيبته وإيمانه وصدقه، كما قال:
"8 اسْكُبُوا قُدَّامَهُ قُلُوبَكُمْ. اَللهُ مَلْجَأٌ لَنَا (يعني، ليكن الله هو العنوان الذي توجه إليه، وليس البشر)" مزمور 62.
ففي هذا المزمور، بعدما يستذكر المُوحى له، في بداية المزمور، أمانة الله في الماضي:
"7 لأَنَّكَ أَنْتَ خَلَّصْتَنَا مِنْ مُضَايِقِينَا، وَأَخْزَيْتَ مُبْغِضِينَا. 8 بِاللهِ نَفْتَخِرُ الْيَوْمَ كُلَّهُ، وَاسْمَكَ نَحْمَدُ إِلَى الدَّهْرِ" مزمور 44.
في نفس الوقت، يشعر المصلي أن الله لا يريد أن يتدخل في حياته اليوم!
لكن بالرغم من أن المزمور ينتهي دون أن يرى تدخل الله فعلا؛ نرى ردة فعل الله كيف من خلال تعامله مع إيمان قلبه. يعلمه الثقة به والإيمان برحمته، وحتى قبل أن يرى تدخله الفِعلي!
" قُمْ عَوْنًا لَنَا وَافْدِنَا مِنْ أَجْلِ رَحْمَتِكَ" مزمور 44: 26
ويعلن أيضًا الدرس الذي عمله اياه الله؛ انه غير مستحق لتدخل الله أصلا. لكن رحمة الله هي الباب الوحيد لتدخله، وليس شعوره بأنه مستحق؛ فيس أحد من البشر صالح إلا الله ذاته.
باسم أدرنلي
الآيات: "5 هَئَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي"
مقارنة مع حزقيال 18 "20 اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ. اَلابْنُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الأَبِ، وَالأَبُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الابْنِ. بِرُّ الْبَارِّ عَلَيْهِ يَكُونُ، وَشَرُّ الشِّرِّيرِ عَلَيْهِ يَكُونُ"
ومع رومية 5 "12 مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ.... 14 لكِنْ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى، وَذلِكَ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يُخْطِئُوا عَلَى شِبْهِ تَعَدِّي آدَمَ، الَّذِي هُوَ مِثَالُ الآتِي"
الاعتراض: ألا ترى تناقض في الآيات السابقة!! داود في مزمور 51، يؤكد أنه خاطي وهو في الرحم وأنه ورث الخطية من أمه؛ كذلك رومية 5، ورث البشر الخطية من آدم!! أما حزقيال يؤكد أن الابن لا يحمل من إثم الأب، فكيف ورث داود الخطية من أبويه، وهو في الرحم كما يقول؟؟
الرد: إن آية: "5 هأَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي " مزمور 51؛ لا تعني أن داود كان خاطئًا وهو في الرحم، بل أكد داود بوحي من الله أن والديه خطاة بالطبيعة والفعل. لأن آية رومية 5 نفسها تؤكد أن جميع البشر، بوجودهم في العالم الساقط، والطبيعة الضعيفة، هم أيضًا أخطأوا بمحض إرادتهم، كما تؤكد الآية من عبارة "12... إذ أخطأ الجميع". فنرى أيضًا أن القضية هي ليست فقط ولادة الإنسان في عالم ساقط، من آباء خطاة؛ بل أن كل إنسان داس وجه هذه الأرض، أخطأ بإرادته أيضًا؛ وحتى الأنبياء جميعهم أخطأوا. لذلك يقول الكتاب: " 23 إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ (أي أصبحوا عاجزين على تمجيد الله )" رومية 3. فعبارة داود الصعبة، "َبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي"، التي من المستحيل أن يتفوه بها أي إنسان عاقل عن نفسه!! لأنها تقال عادة عن أولاد الزنى !! لكن داود قالها بروح النبوة، لكي يظهر لشعب الرب، أنه مع أنه ملك عظيم، ومن سبط يهوذا، ومن النسل الملكي؛ إلا أنه هو وجميع آباءه خطاة وعاجزين على إرضاء الله، مهما كانوا صالحين. لذلك أرسل الله الآب المسيح، لكي يقرِّب البشر إليه من خلاله؛ فمن خلال عمل المسيح على الصليب وبعثه من الموت فقط، يستطيع الإنسان أن يرضي الله ويتبَرَّر أمامه بشكل كامل.
تفسير موسع:
إن الكتاب المقدس يؤكد أننا ورثنا نتائج خطية آدم، وليس خطية آدم الشخصية ذاتها؛ ونتائج الخطية تتمحور في ثلاث أركان أساسية مترابطة مع بعضها البعض:
أولا: وراثة الطبيعة الخاطئة من آدم كما سماها آباء الكنيسة؛ أو ولادة الإنسان بنفس تميل إلى الخطية وعكس الصالح (راجع أيضًا رومية 7: 18-20). فآية رومية أعلاه تقول أنه: "بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ"؛ أي أن آدم فتح باب هذا العالم للخطية ولمعرفة الشر، بتمرده على الله ورفضه لسيادة الله عليه وعلى العالم الذي أعطاه السلطان عليه (تكوين 1: 28-30 و2: 15). وهذا جعل إبليس يسلب سلطان آدم على العالم منه لأنه أقوى منه، ويسيطر على البشر والعالم (لوقا 4: 6).
ثانيًا: دخول الموت على حياة البشر، فالآية لا تقل أننا ورثنا خطية آدم الشخصية ذاتها، التي يتكلم عنها الناقد في حزقيال 18 ومزمور 51!! بل الموت الذي نتج عنها: " لكِنْ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى، وَذلِكَ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يُخْطِئُوا عَلَى شِبْهِ تَعَدِّي آدَمَ". أي أنه قبل أن يخطي البشر بإرادتهم كما أكد نفس عدد "12... إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ"، وهم أجنة في أرحامهم، ساد الموت عليهم، ويولدون فيه. وحتى أحيانا يصاب الجنين بالموت وهو في رحم أمه، أي قبل أن يفعل شرًا أم خيرًا. أيضًا عبارة "على شبه تعدي آدم"، تؤكد أن الموت يسود علينا ليس بسبب خطية آدم الشخصية ذاتها؛ وإلا لقال: "بسبب خطية آدم" بدل من "عَلَى شِبْهِ تَعَدِّي آدَمَ". فالموت ساد على البشر، بمشابهة حلول الموت على آدم بسبب تعديه على أمر الله؛ مما يؤكد حلول الموت علينا، كما حل عليه لأننا من نسله؛ وليس بسبب خطيته الشخصية ذاتها كما يدعي المعترض؛ بل بسبب سقوط العالم في يد الموت بسببه.
ثالثًا: ولادة البشر خارج الجنة، دون أن يعطيهم الله فرصة أن يكونوا فيها إلى أن يخطئوا، كما أعطى آدم وحواء. لذلك ولد البشر في الأرض التي لعنها الله بسبب خطية آدم، حيث قال: "17 ... مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ ... 19 بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ (اي دخل الموت على حياة آدم وذريته، كما قلنا في النقطة السابقة)" تكوين 3. ونرى هذا في آيات رومية مثل "12 .. كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ .... 14 لكِنْ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى... " أي تحول العالم الذي عندما خلقه الله، قال عنه "31 ورأى الله كلَّ ما عمله فإذا هو حسنٌ جدًا.." إلى عالم يسود عليه الكد والتعب، الخطية والموت. فما هو ذنب ذرية آدم أن تولد خارج الجنة؟ لماذا لا تعطى لهم الفرصة في الجنة، كما أعطيت لآدم وحواء، قبل سقوطهما؟!!
إذًا الناقد قد بنى نقده على فكرة مغلوطة أصلا، وهي أن وحي رومية 5، يدعي أن البشر ورثوا خطية آدم ذاتها، وهذا فكرة مغلوط تمامًا!! لقد ورث البشر نتائج خطية آدم، وليس خطية آدم الشخصية ذاتها؛ فكما قال الأب أنطونيوس فكري، في تفسيره لرومية 5: 12 " ونلاحظ أننا نموت لا بخطية آدم، بل بطبيعة آدم وبسبب خطايانا التي نصنعها بإرادتنا نحن." لذلك لا تعارض بين آية حزقيال أعلاه " اَلابْنُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الأَبِ، وَالأَبُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الابْنِ" مع آيات رومية 5، لأن رومية تتكلم عن وراثة نتائج خطية آدم، وليس خطية آدم الشخصية ذاتها، التي يتكلم عنها حزقال.
باسم ادرنلي
الآيات: " 18 إِنْ رَاعَيْتُ إِثْمًا فِي قَلْبِي لاَ يَسْتَمِعُ لِيَ الرَّبُّ"
مقارنة مع لوقا 18 " 13 وَأَمَّا الْعَشَّارُ فَوَقَفَ مِنْ بَعِيدٍ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ بَلْ قَرَعَ عَلَى صَدْرِهِ قَائِلاً: اللهُمَّ ارْحَمْنِي أَنَا الْخَاطِئَ. 14 أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ هَذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّراً دُونَ ذَاكَ لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ»."؛
ومع يوحنا 9 " 31 وَنَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَسْمَعُ لِلْخُطَاةِ. وَلَكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَتَّقِي اللَّهَ وَيَفْعَلُ مَشِيئَتَهُ فَلِهَذَا يَسْمَعُ"
الاعتراض: كيف المسيح يعلم أن الله يسمع لصلاة خطاة؟ ألا يعلم الكتاب كما في آية مزمور 66، ويوحنا 9، أن الله لا يستمع لصلاة الخطاة!؟
الرد: إن الله لا يستمع لصلاة الخطاة، هذا صحيح؛ فالآيات الواردة في مزمور 66 ويوحنا 9، صحيحة تمامًا. إن الله لم يستمع لصلاة العشار في مثال المسيح، إن الله استجاب لتوبة العشار؛ فيوجد فرق كبير بين الاثنين؛ الله لا يستمع لصلاة الخطاة، لكنه يستجيب لصلاة توبتهم؛ إذا كانت صادقة طبعًا. لذلك علم المسيح من خلال المثال، أن الفريسيين كانوا يحتاجون للتوبة مثلهم مثل باقي الناس، لكنهم لم يدركوا هذا؛ فقال يسوع في موضع آخر عن فرح الله بتوبة الإنسان وقال: " 7 .. إِنَّهُ هكَذَا يَكُونُ فَرَحٌ فِي السَّمَاءِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ بَارًّا لاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى تَوْبَةٍ." لوقا 15. فالمسيح، لم يقصد أن الفريسي أسوأ سلوكيًا من العشار، لكنه أسوأ من حيث أنه يظن أنه صالح ولا يحتاج إلى توبة.
باسم ادرنلي
الآيات: "الْمُؤَسِّسُ الأَرْضَ عَلَى قَوَاعِدِهَا فَلاَ تَتَزَعْزَعُ إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ"
الاعتراض: كيف يدعي الكتاب المقدس أن الأرض ثابتة لا تتحرك؟
الرد: يبدو أن المعترض لا يقرأ جيدًا النصوص، الآية لا تقول أن الأرض لا تتحرك، بل لا تتزعزع، أي لا تخرج إطلاقًا من مسارها، مدارها، ومكانها.
ولي عدة تعليقات هامة جدًا، تبرز قمة الإعجاز العلمي من خلال الآية السابقة، وهي كما يلي:
أولا: كلمة قواعدها " מְכוֹנֶ֑יהָ" (ميخونيهَ)، وتأتي من الأصل "ميخون"، هذه الكلمة في قاموس سترونغ تعني: وضعها، مكانها، أساساتها، قواعدها. هذا في سياق العالم القديم؛ أما كلمة "מְכוֹני" في العبري المعاصر، تعني ميكانيكي؛ مما يتكلم عن حركة ميكانيكية، مدروسة ومثبة على نظام دقيق جدًا بحسب إبداع الخالق، لا تتعداه.
ثانيًا: من جهة كلمة "تتزعزع" في العبري "תִּ֝מּ֗וֹט"، هي أيضًا كلمة في قمة الإعجاز العلمي، حيث تتكلم عن تحريك مسار المحور. حيث كلمة "ֹמּ֗וֹט" "موط" في العبري، تعني قضيب، محور. وهنا يتكلم عن محور الأرض "Axis"، أنه لا يتزعزع. والكلمة لا تعني أن الأرض لا تتحرك! فإذا رأينا نفس الكلمة في مزمور 13:
"4 لِئَلاَّ يَقُولَ عَدُوِّي: «قَدْ قَوِيتُ عَلَيْهِ». لِئَلاَّ يَهْتِفَ مُضَايِقِيَّ بِأَنِّي تَزَعْزَعْتُ"
كلمة "אֶמּֽוֹט" "إموط" وهي نفس الكلمة، لا تعني أن داود لا يتحرك، أي أنه في حالة موت سريري!! بل لا يتغير عن مساره في ثقته وإيمانه في الرب. كذلك الأرض تتحرك طبعًا، لكن لا تتغير عن محور دورانها الذي حدده لها الخالق جل جلاله.
باسم ادرنلي
الآيات: "6 لاَ تَضْرِبُكَ الشَّمْسُ فِي النَّهَارِ، وَلاَ الْقَمَرُ فِي اللَّيْلِ"
مقارنة مع
الاعتراض: كيف يحذر الكتاب من ضربة القمر في الليل مثل ضربة الشمس في النهار؟؟؟
الرد: من جهة ضربة القمر في الليل، الكلمة هي "نكا" في العبري، وتعني تؤذي. أي الله يعد المؤمن بأن لا تؤذيه الشمس في النهار، ولا يؤذيه القمر في الليل. وهي كلمة عامة، يقصد بها ضربة الشمس في النهار؛ أي إصابة الإنسان من حرها بغياب الظل. أمَّا من جهة القمر في الليل فالعكس تمامًا، حينما لا يكون في الليلة قمر أثناء السفر، فلم يكن عند الناس في القديم إنارة للشوارع بين المدن، مما يجعل السفر في الليل خطر جدًا، من قطاع الطرق واللصوص، الحيوانات المفترسة، الحيات، والعقارب...إلخ. هذا ما يُقصد به من عبارة أذى القمر في الليل. وفي لهجتنا الفلسطينية لا نزال نستخدم هذا التعبير الكتابي عن أذى القمر في الليل ونقول: "وفي ليلة ما فيها ضو قمر" حدث كذا وكذا!! أي في ليلة سيئة جدًا وكلها بلاء، حدث كذا وكذا.
باسم ادرنلي
الآيات: "9 طُوبَى لِمَنْ يُمْسِكُ أَطْفَالَكِ وَيَضْرِبُ بِهِمُ الصَّخْرَةَ! "
الاعتراض: ما هذه الوحشية!! كيف يامر الله بضرب الأطفال بهذه الطريقة؟؟
الرد: إن المعترض أخرج الآية خارج عن سياقها، فالآية مأخوذة من مزمور 137، الذي يتكلم عن ألم شعب إسرائيل من البابليين المعتدين الذين عذبوهم: "3... وَمُعَذِّبُونَا سَأَلُونَا ..". فالبابليين احتلوا أرض إسرائيل، وسبوا معظم شرفاء الشعب إلى بابل، وأخربوا المدينة أورشليم: "7 اُذْكُرْ يَا رَبُّ لِبَنِي أَدُومَ يَوْمَ أُورُشَلِيمَ الْقَائِلِينَ: [هُدُّوا هُدُّوا حَتَّى إِلَى أَسَاسِهَا].". فيوحى للمرنم بروح النبوة عن العقاب الذي سيأتي على البابليين بسبب شر أعمالهم وعدوانهم على شعب إسرائيل؛ وهو أن الفُرس سيحتلوا بابل ويذلوها وسيضربوا حتى أطفالها بالصخور. وهذا يتمثل بالآية السابقة لآية المعترض!! "8 يَا بِنْتَ بَابِلَ الْمُخْرَبَةَ طُوبَى لِمَنْ يُجَازِيكِ جَزَاءَكِ الَّذِي جَازَيْتِنَا! (عن الفرس)". فالآية لا تصور دعاوي شعب إسرائيل على البابليين، ولا حث روح الانتقام ضدهم. بل ببساطة التأكيد على نبوءة إرميا النبي على عقاب وخراب بابل، حيث قال: "18 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: هأَنَذَا أُعَاقِبُ مَلِكَ بَابِلَ وَأَرْضَهُ كَمَا عَاقَبْتُ مَلِكَ أَشُّورَ" إرميا 50.
أما الكلمة التي في مطلح الآية، "طوبى"، وهي تعبر عن مديح؛ فتعود لذات الله العادل، الذي لا يسكت على الظلم، بل يجازي كل إنسان وشعب بحسب أعماله:
"6 إِذْ هُوَ عَادِلٌ عِنْدَ اللهِ أَنَّ الَّذِينَ يُضَايِقُونَكُمْ يُجَازِيهِمْ ضِيقًا" 2 تسالونيكي 1.
إذًا لا علاقة لهذا النص بالله، فهو مجرد نبوءة عن الشر الذي سيحدث لبابل. ولم يأمر الله فيه بأن يُضرب الأطفال في الصخور طبعًا، بل أكد الله في المزمور على نبوءة إرميا النبي، عما سيحدث لبابل من مملكة فارس بسبب شرهم. وسبق وأعطى الله نبوءات دقيقة عما سيحدث بعد حكم بابل للنبي دانيال (راجع دانيال 8).
باسم ادرنلي
الآيات: "21 أَلاَ أُبْغِضُ مُبْغِضِيكَ يَا رَبُّ، وَأَمْقُتُ مُقَاوِمِيكَ؟ 22 بُغْضًا تَامًّا أَبْغَضْتُهُمْ. صَارُوا لِي أَعْدَاءً."
بالمقارنة مع لوقا 6 "27 «لكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ"
الاعتراض: كيف تدعون عن الله بالكذب أنه يحب الجميع دعاكم بأن تحبوا حتى الأعداء؛ نرى هنا داود، يعلن بغضه وكراهيته لغير المؤمنين، حتى أنه يعتبرهم أعداء!!؟
الرد: إن قول داود في مزمور 139، لا يوافق عليه الله؛ بل يؤنب ضمير داود عليه، ويجعله يتوب على هذا القول في الآيات 23 و24، كما سنرى لاحقًا.
فتعامل المعترض مع سفر الصلوات، المزامير، بهذه الطريقة، هو خطأ ومرفوض. وذلك لسبب أساسي؛ وهو أن سفر المزامير هدفه أن يعلمني كيف أصلي؛ وأحد أعمدة الصلاة الصحية، هو أن يسكب الإنسان المُصلي قلبه المتألم بصدق أمام الرب. وذلك طاعة لكلمة الله القائل، في نفس سفر المزامير:
"اسْكُبُوا قُدَّامَهُ قُلُوبَكُمْ. اَللهُ مَلْجَأٌ لَنَا" مزمور 62: 8.
وعندما يسكب الإنسان المُصلي المتألم قلبه بصدق أمام الله؛ أحيانًا تخرج من فمه أشياء غير صحيحية، حتى في الكثير من الأحيان، أمور قبيحة، كما نرى في آيات المعترض أعلاه! لكن دائمًا، بعد سكب الإنسان التحديات والأم والمرارة التي في قلبه، والتي قد تحمل أمورًا خطأ؛ نتتبع في نفس المزمور رد الله على أقواله. هذه هي الخلاصة للقضية؛ وهذا الركن من الكتاب المقدس من الأركان العشر المجيدة العظيمة التي يحويها، يسمى بـ "شهادات الرب".
فهل الله يحث داود بأن يبغض أعدائه، لدرجة أن يعاديهم!!؟؟
"21 أَلاَ أُبْغِضُ مُبْغِضِيكَ يَا رَبُّ، وَأَمْقُتُ مُقَاوِمِيكَ؟ 22 بُغْضًا تَامًّا أَبْغَضْتُهُمْ. صَارُوا لِي أَعْدَاءً." مزمور 139.
الجواب: بالطبع لا. حيث لم نر أي نوع من الكراهية ولا في حياة ولا سلوك داود في أي حدث من حياته!
فعندما نتتبع ردة فعل الله على قول داود، وعادة نراه من خلال نفس المُصلي المُوحى له، بعد تعامل الله مع قلبه. يكشف الوحي ردة فعل الله عن طريق قول داود بعدها، كما يلي:
"23 اخْتَبِرْنِي يَا اَللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي 24 وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ، وَاهْدِنِي طَرِيقًا أَبَدِيًّا" مزمور 139.
فنرى ردة فعل الله على قوله، من خلال داود نفسه؛ أن قلبه يحتاج للفحص الإلهي والتغيير، وليس مُبغضي الرب، كما سماهم! وفي هاتان الآيتان، نجده يتوب لله على فكر قلبه الخطأ. وكأنه يقول: "لن أدين أو أكفر الأشرار، بل المشكلة في أنا؛ أنا قلبي يحتاج لفحص وتوبة"!! هل هناك أي مذهب في العالم أو أي دين، يحمل هذه الفضائل!!؟؟
إذًا ليس كل ما يُعَبِّر عنه إنسان الله في المزامير أو الصلوات عما يشعر به، يوافق عليه الله. لذلك المهم لنا هو، تتبع ردة فعل الله على أقوال البشر. كذلك أقوال رجال الله مثلا أيوب، ليس كل ما يقوله صحيحًا، والله في نهاية السفر يرد عليه، ويوضح له أخطائه. هذه هي خلاصة الوحي. حيث يعلمنا أن نسكب قلبنا بصدق أمام الله، ولا نمثل أمامه (كالديانات الوثنية)، لأنه يعرف ما في قلبنا:
"4 لأَنَّهُ لَيْسَ كَلِمَةٌ فِي لِسَانِي، إِلاَّ وَأَنْتَ يَا رَبُّ عَرَفْتَهَا كُلَّهَا" المزامير 139.
وفي نفس الوقت ندرك، أن أحد أركان كلمة الله العظيمة الشاملة هو، أنها تحمل حوار مستمر بين البشرية الله، بهدف إظهار ردود الله على أسئلة البشر، وردود أفعال الله على الأحداث وتصرفات الإنسان.
باسم أدرنلي