كنيسة بلا جدران

سفر الرؤية يصف المسيح بالخروف، فيكون إلهكم خروف!!

بالنسبة لسفر رؤيا يوحنا، فهو من الأدب النبوي الأبوكليبتي، أي سفر رمزي، ولا يؤخذ بشكل لازم معناه أبدًا، بل بمعنى مجازي.  فكل رمز فيه يدل ويوضح حقيقة واحدة روحية؛ فيصف المسيح بأوصاف كثيرة جدًا، منها:
وصف المسيح بمجده الإلهي: 
"12 فَالْتَفَتُّ لأَنْظُرَ الصَّوْتَ الَّذِي تَكَلَّمَ مَعِي. وَلَمَّا الْتَفَتُّ رَأَيْتُ سَبْعَ مَنَايِرَ مِنْ ذَهَبٍ، 13 وَفِي وَسَطِ السَّبْعِ الْمَنَايِرِ شِبْهُ ابْنِ إِنْسَانٍ، مُتَسَرْبِلاً بِثَوْبٍ إِلَى الرِّجْلَيْنِ، وَمُتَمَنْطِقاً عِنْدَ ثَدْيَيْهِ بِمِنْطَقَةٍ مِنْ ذَهَبٍ. 14 وَأَمَّا رَأْسُهُ وَشَعْرُهُ فَأَبْيَضَانِ كَالصُّوفِ الأَبْيَضِ كَالثَّلْجِ، وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ. 15 وَرِجْلاَهُ شِبْهُ النُّحَاسِ النَّقِيِّ، كَأَنَّهُمَا مَحْمِيَّتَانِ فِي أَتُونٍ. وَصَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ. 16 وَمَعَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى سَبْعَةُ كَوَاكِبَ، وَسَيْفٌ مَاضٍ ذُو حَدَّيْنِ يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ، وَوَجْهُهُ كَالشَّمْسِ وَهِيَ تُضِيءُ فِي قُوَّتِهَا." رؤيا 1.
فعادة النقاد لا يستخدمون هذا الوصف المجيد للنقد، بل يختارون وصف المسيح بالخروف، لأن دافعهم عادة هو الاستهزاء لا أكثر ولا أقل. لكن كما قلنا، هذا السفر لا يؤخذ بشكل حرفي بل مجازي ورمزي، يتمحور حول معنى الرمز أو وجه الشبه الروحي في الرمز أو التشبيه. فلا تجد المسيحيون يعتبرون شكل المسيح بمجده الإلهي، أن شعره أبيض كالصوف والثلج؛ وعيناه كلهيب نار؛ ويخرج سيف ماض من فمه مثلا ....إلخ. بل كل رمز من الرموز الواردة في الآيات السابقة، له معنى روحي يؤخذ به فقط دون غيره. 
وصف مجيء المسيح كلص!!
نلاحظ أيضًا مثلا في نفس سفر الرؤيا، أن المسيح يصف مجيئه الثاني كلص: 
"3 فَاذْكُرْ كَيْفَ أَخَذْتَ وَسَمِعْتَ، وَاحْفَظْ وَتُبْ، فَإِنِّي إِنْ لَمْ تَسْهَرْ، أُقْدِمْ عَلَيْكَ كَلِصٍّ، وَلاَ تَعْلَمُ أَيَّةَ سَاعَةٍ أُقْدِمُ عَلَيْكَ" رؤيا 3. 
فهل المسيح لص؟؟ مؤكد لا، لكن القصد هو عنصر واحد في الرمز أو التشبيه، نسميه وجه الشبه. وهو أن اللص يأت بأكثر وقت لا يتوقعه صاحب البيت؛ ويأتي بطريقة لا يشعر بها الإنسان عادة، إلا بعد فوات الأوان؛ هكذا مجيء المسيح سيكون. لذلك يجب أن نصحى ونكون منتبهين ومدققين في سيرتنا وفي حياة الإيمان.
وصف المسيح كخروف كأنه مذبوح:
وهو أحد أهم الرموز التي يوصف بها المسيح؛ حيث يقدم يوحنا الحبيب من خلال وحيه، المسيح كالحمل أو الخروف، كإشارة لذبيحة الخطية. وهو يأت من وعد نبوي قديم يعود لزمن إبراهيم عندما طلب منه الله بأن يقدم ابنه اسحق، كصورة للعبادات الوثنية التي كانت آنذاك؛ حيث كان العابدون للأصنام يقدمون أولادهم كذبائح محرقة. لكن إبراهيم أعلن بكل إيمان بالله، أنه سيفدي ابنه بخروف للمحرقة، حيث قال لابنه: 
"8 فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «اللهُ يَرَى لَهُ الْخَرُوفَ لِلْمُحْرَقَةِ يَا ابْنِي» (مع أن الله طلب منه بأن يقدم ابنه). فَذَهَبَا كِلاَهُمَا مَعًا" تكوين 22.
فرفض الله تقديم نفس الإنسان لإرضاء الله، وافتدى الله العبادات الوثنية آنذاك التي فيها يقدم العابد ولده كذبيحة محرقة ليرضي الوثن؛ وفدى ابن إبراهيم بخروف، كإشارة نبوية لذبيحة المسيح: 
"13 فَرَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا كَبْشٌ وَرَاءَهُ مُمْسَكًا فِي الْغَابَةِ بِقَرْنَيْهِ، فَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ وَأَخَذَ الْكَبْشَ وَأَصْعَدَهُ مُحْرَقَةً عِوَضًا عَنِ ابْنِهِ" تكوين 22.
ففداء الله لابن إبراهيم بكبش أو خروف، كان كإشارة للحمل الآتي الذي سيفدي كل نسل آدم، وهو المسيح. لذلك عندما رأى يوحنا المعمدان يسوع، عرفه في الحال وقال:
"29 ... هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ! ... 36 فَنَظَرَ إِلَى يَسُوعَ مَاشِيًا، فَقَالَ: هُوَذَا حَمَلُ اللهِ! " يوحنا 1.
نرى أيضًا أنه في بداية سفر الرؤيا، وبعد وصف المسيح بالوصف الإلهي المجيد الذي رأيناه في آيات المقدمة، يستكمل المسيح ويقول:
"18 وَالْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتاً وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ. وَلِي مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ." رؤيا 1.
فهنا يقدم معنى كناية الخروف، بالمسيح الذي مات، لكنه انتصر على الخطية والموت، وبعث حيًا منهما؛ وهذا كان أعظم وأهم انتصار عرفته البشرية منذ إنشائها وإلى اليوم؛ لذلك يصف المسيح بخروف كأنه مذبوح وليس مذبوح، لأنه بعث حيًا:
"6 وَرَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ الْعَرْشِ وَالْحَيَوَانَاتِ الأَرْبَعَةِ وَفِي وَسَطِ الشُّيُوخِ خَرُوفٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ، لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ الْمُرْسَلَةُ إِلَى كُلِّ الأَرْضِ" رؤيا 5.
فكناية الخروف أتت ليبرز ما أكده المسيح في العدد 18 من رؤيا 1، أنه كان الذبيحة التي فدت الإنسان، فكان ميتًا وها هو حي إلى الأبد وله مفاتيح الهاوية والموت؛ أي هو الذي يحيي ويميت من يشاء، لأنه الذراع التنفيذي للذات الإلهية. ونرى هذا الوصف أيضًا من خلال الآية، أن ذلك الخروف المذبوح، لكنه غير مذبوح؛ مرسلة سبعة قرون، وسبع أعين الله، وهي سبعة أرواح الله المرسلة لكل الأرض!! والقرون تشير إلى القدرة الإلهية الكاملة (عندما تقترن بالعدد 7، أي الكمال)، والأعين تشير إلى المعرفة الإلهية الكاملة. والآية التي يستخدمها المعرض وهو لا يدرك ثقلها ونسفها لما يريد أن يبرهنه! تؤكد أنه في المسيح، ذلك الحمل المذبوح المنتصر على الموت، تكمن كامل قدرة الله، وكامل معرفة الله؛ وكامل إرسالية الله للجنس البشر قاطبًا!!!! يا له من وصف بديع مجيد عظيم، لا يسع الإنسان إلا أن يستنتج منه أن ذلك الحمل الوديع البسيط الذي جاء، هو الذراع التنفيذي للذات الإلهية؛ مثل أقنوم الجسد في الإنسان، ينفذ مشيئة النفس والروح. كما يؤكد الوحي في سفر العبرانيين، بوصف العلاقة بين أقنوم الابن وأقنوم الله الآب: 
"3 الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ (عن الله الآب)، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ" عبرانيين 1.
إذا وصف المسيح بالخروف في نص المعترض، يؤكد أمرين يحاول عادة النقاد أن يبرهنوا عكسهم تمامًا، هما: 
أولا: أن المسيح مات وبعث حيًا من الموت، لفداء الجنس البشري.
ثانيًا: أن في ذلك الخروف شبه المذبوح، أي المسيح، تكمن ملء قدرة وسلطان الله؛ وكامل معرفة الله، وكامل إرسالية الله لخلاص البشر.

 

 

باسم ادرلني

4774 مشاهدة